“إسرائيل” تخسر الولايات المتحدة
لا تزال الولايات المتحدة هي السند الوحيد الذي يمكن لـ “إسرائيل” الاعتماد عليه، لكن الفرصة المتاحة لنتنياهو لإصلاح العلاقات مع واشنطن قد تنغلق قريباً.
- الكاتب: شالوم ليبنر
- ترجمته للعربية : بتول دياب
نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مقالاً للكاتب “الإسرائيلي” شالوم ليبنر، الذي عمل مع 7 رؤساء للحكومة الإسرائيلية، تحدث فيه عن علاقة “إسرائيل” بالولايات المتحدة الأميركية، والتي تردّت بشكل متزايد خلال الحرب على غزّة، على الرغم من حاجة الاحتلال الضرورية إلى هذه العلاقة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
في إعلان مفاجئ في 31 أيار/مايو، حدد الرئيس الأميركي جو بايدن خريطة طريق من أجل وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج عن جميع الأسرى. من خلال هذ الإعلان، أعطى بايدن نفسه اليد العليا في خلافه المتزايد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان إعلانه مفاجئاً للأخير. لقد وضعت خطة بايدن نتنياهو في مأزق صعب، فإذا قبل الصفقة، فمن المرجح أن يفي أعضاء ائتلافه اليميني بتعهدهم بإسقاطه، ولكن إذا رفض ذلك، فإنه سيزيد من التوترات مع الولايات المتحدة.
في الوقت الحالي، استقر رئيس الوزراء الإسرائيلي على تأييد ملتبس، وأصر على أنّ بايدن وصف العرض بشكل غير دقيق، وأنّ “إسرائيل” لم توافق على شرط حماس المسبق بالوقف الكامل للحرب.
لعدة أشهر، بينما شددت “إسرائيل” قبضتها على غزة على الرغم من الإدانة الدولية المتزايدة، بدا أنّ المأزق بين بايدن ونتنياهو يزداد سوءاً. وفي الأسابيع التي سبقت خطاب بايدن، تصاعدت الاتهامات المتبادلة. قال نتنياهو لحكومته في 9 أيار/مايو: “نحن لسنا دولة تابعة للولايات المتحدة”.
وفي الآونة الأخيرة، أشار بايدن إلى أنّ المراقبين يمكن أن يستنتجوا بشكل مشروع أنّ نتنياهو يطيل الحرب للحفاظ على قبضته على السلطة. ونتيجة لهذا الخلاف، تتحوّل العلاقة الأميركية- الإسرائيلية من صداقة حميمة إلى شجار مثير للجدل، والقدرة على حل الخلافات وتنسيق السياسات خلف الأبواب المغلقة تتلاشى بسرعة، ويحل محلها العداء والمعارضة.
تواصل واشنطن عرض اتفاق التطبيع مع المملكة العربية السعودية أمام “إسرائيل” كجزء من صفقة تشمل وقف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح الأسرى لدى حماس، ومسار محدد لإقامة الدولة الفلسطينية. لكن في 19 أيار/مايو، بعد يومين من لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لمناقشة “النسخة شبه النهائية” من الاتفاقيات بين بلديهما، أدلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قائلاً: “ربما تكون إسرائيل غير قادرة، أو غير راغبة في المضي قدماً” في هذا الطريق. وبدافع من اعتبارات سياسية أو شخصية، يبدو أن نتنياهو – الذي أخبر الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي أنّ السلام مع الرياض سيجلب إمكانية السلام إلى هذه المنطقة بأكملها – أصبح فجأة فاتراً تجاه الفكرة. وقد شجّع موقفه السعوديين على استكشاف إطار ثنائي مع الولايات المتحدة من شأنه أن يترك “إسرائيل” في العراء.
في كانون الأول/ديسمبر 2023، قالت مجلة “فورين أفيرز” إنّ “إسرائيل” كانت في خطر خسارة الولايات المتحدة. ولم تؤد الأحداث اللاحقة، وخاصة نفور الحكومة الإسرائيلية المستمر من الانخراط في خطة ذات مصداقية لغزة ما بعد الحرب، إلا إلى تعزيز هذه الحجة.
يعمل نتنياهو على تأجيج نيران الاستقطاب داخل كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة من أجل درء الانتقادات الموجّهة إلى قيادته. وهو بذلك يرتكب خطأً فادحاً. إنّ مزايا أي انتصار تكتيكي على إدارة بايدن سوف تتفوق عليها إلى حد كبير الهزيمة الاستراتيجية التي قد تنجم عن أيّ تمزق أكبر في علاقات “إسرائيل” الأساسية مع الولايات المتحدة. وتساهم هذه العلاقات بشكل أساسي في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي، ولذا يجب على رئيس الوزراء أن يغير مساره وأن يعمل مع الولايات المتحدة وليس ضدها.
وضع واشنطن في العاصفة
وعلى الرغم من موقف نتنياهو اللاذع تجاه إدارة بايدن، تظل الولايات المتحدة مركزية في حسابات رئيس الوزراء. نتنياهو معروف برفض إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعلى الرغم من ذلك، فإنّه ليس مصادفة أنّه منذ بداية عام 2024، ظهر على جميع الشبكات الأميركية الثلاث الكبرى، “سي إن إن”، و”فوكس نيوز”، وحتى “دكتور فيل”. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الدول في جميع أنحاء العالم معادية بشكل علني لـ “إسرائيل”، فإنّ دعم واشنطن لا يعلى عليه.
المواجهة المفتوحة مع رئيس حالي ستؤدي إلى مزيد من تآكل ما تبقى من الإجماع الحزبي في واشنطن بشأن “إسرائيل”، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير علاقة العمل مع الولايات المتحدة. يلعب نتنياهو دوراً متوازناً عالي المخاطر، ويراهن على أنه يستطيع الاستهزاء بإدارة بايدن في إدارته للحرب من دون التسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه لعلاقات “إسرائيل” مع الولايات المتحدة. لكن هذه اللعبة قد تفشل بشكل كارثي. وفي مايو/أيار، أوقف بايدن مؤقتاً شحنة واحدة من القنابل، يمكن أن يكون هذا التوقف مجرد البداية. ومع تعرضه لانتقادات داخل تجمّعه الديمقراطي ووسط إحباطات واضحة بشأن الطريقة التي سعى بها نتنياهو لتحقيق أهدافه، يمكن لبايدن أن يفرض عقوبات تكميلية ذات عواقب وخيمة حقاً على “إسرائيل”. ويمكن أن يشمل ذلك تعليق تسليم أنظمة أسلحة إضافية أو اتخاذ قرار بعدم استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تضر بـ “إسرائيل”.
يد خاسرة
“إسرائيل” ستخسر حتى لو فاز نتنياهو في مواجهته مع بايدن. إنّ النهج المثير للانقسام الذي اتبعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي تجسد في محاولات حكومته لتمرير تعديلات قضائية من شأنها أن تحد بشكل كبير من استقلال القضاء، قد أضر بالتماسك الاجتماعي الإسرائيلي. بالإضافة إلى أن مباركته للإعفاء الواسع النطاق من التجنيد العسكري للحريديم – في مواجهة معارضة شعبية ساحقة – ليست سوى أحد الأسباب التي قد تؤدي قريباً إلى إشعال اضطرابات مدنية واسعة النطاق.
كما أنّ ميل رئيس الوزراء إلى إثارة الاحتكاك مع الحكومة الأميركية لا يصب في مصلحة “إسرائيل” على المدى الطويل. إن تداعيات مواجهاته السابقة مع الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وباراك أوباما لم تُنس في “إسرائيل” أو في الولايات المتحدة. إنّ مغازلة نتنياهو لأعداء كلينتون السياسيين في التسعينيات ومشاجرته، بعد عقدين من الزمن، مع أوباما بشأن الاتفاق النووي الإيراني، جعلت “إسرائيل” سامة داخل دوائر الحزب الديمقراطي. واليوم، أصبح الدعم الثابت لـ “إسرائيل” على نحو متزايد موقفاً جمهورياً حصرياً تقريباً. والواقع أنّ البيت الأبيض يتعرض في الوقت الحاضر لهجوم من أجزاء من القاعدة الديمقراطية التي تحتقر السياسة الأميركية في التعامل مع “إسرائيل” وغزة. وقد يعني هذا الانقسام أنّ “إسرائيل” لن تكون قادرة بعد الآن على الاعتماد على دعم الولايات المتحدة بغض النظر عن الحزب.
ومع ذلك، سيكون من غير الحكمة أن تفترض “إسرائيل” أنّ الخلاص قد يأتي من رئاسة ترامب الثانية. ففي شباط/فبراير 2017، حذّر نتنياهو أعضاء حكومته من الحماس المفرط تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، محذراً من أنهم يجب أن يأخذوا “شخصيته في الاعتبار” وألّا يتوقّعوا تحقيق جميع طموحاتهم. وسيكون من الخطأ أن يتوقع القادة الإسرائيليون أن يمنحهم ترامب شيكاً على بياض فيما يتعلق بغزة. وقال ترامب لصحيفة إسرائيلية في آذار/مارس “عليكم إنهاء حربكم”.
ولتجنب انهيار أوسع نطاقاً في العلاقات الأميركية -الإسرائيلية، من الضروري أن يغير نتنياهو مساره بسرعة وأن يجد طرقاً للعمل بشكل أوثق مع إدارة بايدن. إنّ المضي قدماً بمفردها ضد خصومها من دون دعم الولايات المتحدة، لا يمثل استراتيجية قابلة للتطبيق بالنسبة إلى “إسرائيل”، التي تعتمد حربها على الوصول إلى الذخائر الأجنبية وقمع الحظر الدولي على أفعالها. ويجب أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة. وعلى الرغم من أن حكومة نتنياهو بدأت جهوداً لتعزيز الإنتاج في الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، فإنه مقدّر لها أن تظل معتمدة على المساعدة العسكرية الأميركية في المستقبل المنظور.
وتحتاج “إسرائيل” أيضاً إلى الولايات المتحدة من أجل الإغاثة الدبلوماسية، إذ يعد الدعم الأميركي أمراً حيوياً لقدرة “إسرائيل” على التغلب على سلسلة شاقة من التحديات القانونية المحيطة بالحرب. ويدرس القضاة في محكمة العدل الدولية الاستئنافات الرامية إلى وقف الحرب في غزة، وفي الوقت نفسه يسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. تسند واشنطن ظهر “إسرائيل” في هذا الشأن، وقد استجاب صناع السياسة الأميركيون بتمرير تشريع في مجلس النواب لمعاقبة المحكمة.
ولا تزال الولايات المتحدة هي الحصن الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه ضد موجة محتملة من عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد “إسرائيل”. علاوة على ذلك، تلعب الولايات المتحدة دوراً مركزياً في الشبكة الدقيقة من التحالفات الإقليمية، مع دول مثل البحرين والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تحمي “إسرائيل”.
إنّ الفرصة المتاحة لنتنياهو لإصلاح العلاقات بواشنطن قد تنغلق قريباً، مع اشتداد المشاكل في الداخل وإعاقة قدرته على الحكم، خصوصاً مع استقالة أهارون هاليفا في نيسان/أبريل، ومؤخراً استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من كابينت الحرب الإسرائيلي، ما يترك رئيس الوزراء وحيداً مع أغلبية برلمانية ضئيلة ومتشددة، والتي غالباً ما تكون أولوياتها بغيضة في نظر إدارة بايدن. وتعرض موقف نتنياهو لمزيد من المخاطر في 6 حزيران/يونيو عندما دعا المدعي العام الإسرائيلي غالي باهاراف ميارا، رئيس الوزراء، إلى إنشاء لجنة تحقيق حكومية للتحقيق في الحرب في غزة. ويكاد يكون من المؤكد أنّ هذا التحقيق سيثير شكوكاً جدية حول جودة قيادة نتنياهو.
ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس في 24 تموز/يوليو، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة بالنسبة إلى “إسرائيل”، خصوصاً كون أنّ العديد من الديمقراطيين قالوا إنهم سيقاطعون الحدث، ما يجعل ظهور نتنياهو يبدو وكأنه شأن حزبي. وإذا استخدم رئيس الوزراء خطابه لمهاجمة إدارة بايدن بالطريقة نفسها التي انتقد بها أوباما في عام 2015، فقد تكون العواقب وخيمة. وهذا على وجه التحديد هو الوقت الخطأ لكي يفكر نتنياهو في مؤيديه السياسيين – الذين يشعر الكثير منهم أنه يجب عليه الوقوف في وجه الولايات المتحدة – بدلاً من الأمن الإسرائيلي.
الوضع في الشرق الأوسط أصبح أكثر خطورة. يطالب الإسرائيليون بالرد على عدوان حزب الله المتصاعد، وهناك مخاوف متزايدة بشأن النقاط الساخنة بما في ذلك الضفة الغربية واليمن، وخاصة إيران. وللتعامل مع هذه الأمور، ستحتاج “إسرائيل” إلى مساعدة الولايات المتحدة. إذا لم يتصرف نتنياهو بحذر، فإن النصر الكامل الذي تحققه “إسرائيل” قد يكون على نفسها.
الاراء الواردة في المقالة ليس بالضرورة ان تعبر عن سياسية الموقع وانما رأي كاتبها.