نتنياهو يضحّي بالجيش
يسعى نتنياهو لاستفزاز قيادات “الجيش” لدفعهم إلى توسيع الحرب والاستمرار بها لفترة أطول، وهو هدف يتطابق مع رؤيته للحرب ليهرب من المحاكمة ودخول السجن الحتمي.
تشير جميع المعطيات التي ظهرت مؤخراً في الحرب على غزة إلى أن حالة الفشل التي مُني بها “الجيش” الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية انقلبت إلى حالة خلاف داخلي بين معسكر نتنياهو ومعسكر “الجيش”. وقد بات الأخير متهماً بالفشل الكبير، فيما يحاول الأول التملّص من المسؤولية آملاً البقاء في سدة الحكم.
خلال الأيام الأخيرة، أدركت حكومة الاحتلال أنها لا تستطيع تغيير الواقع في قطاع غزة، وأن القوة العسكرية الكبيرة لم تحقق أياً من أهداف الحرب، وأن الدعم الخارجي تضاءل بشكل كبير جداً، وأن الجميع بات يطالبها بأن تنهي هذه الحرب، وأن يتركز تفكيرها وعملها على مرحلة ما بعد الحرب.
وقد دلّت تصريحات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن حول زيارته المنطقة على طبيعة المرحلة التي يجب أن تنتقل إليها حكومة الاحتلال، وذلك نظراً إلى مخاطر عدة تفرضها هذه الحرب، أولاً المصالح الأميركية في المنطقة، وثانياً، وهو الأهم، خشية الولايات المتحدة الأميركية من انهيار أساس “دولة” الاحتلال الذي يرتكز بدرجة أساسية على عمود “الجيش” نتيجة الهجوم عليه وكيل الاتهامات ضده من قبل نتنياهو وفريقه.
تدرك الولايات المتحدة أن الخلافات الكبيرة داخل حكومة الاحتلال التي وصلت إلى “الجيش” تمثل خطراً كبيراً على “إسرائيل”. وقد باتت متيقنة أن الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو مستعد لفعل أي شيء كي لا يخسر الحكومة الحالية، بما في ذلك تحميله مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر والحرب على غزة بعدها. لهذا، قد يكون الضغط الأميركي لإنهاء الحرب أكبر من أي وقت مضى.
وقد بدأ واضحاً خلال الأيام الأخيرة أن نتنياهو لا يريد أن يتحمل الفشل وحده، بل يريد أن يورّط الجميع معه، بما في ذلك مؤسسة “الجيش”، وهذا ليس غريباً عليه، فهذه هي سياساته التي اعتمدها منذ بداية عمله السياسي في “دولة” الاحتلال مع أقرب المقربين إليه.
تاريخياً، كان نتنياهو مستعداً للتضحية بكل شيء، سواء كان حليفاً أو مؤسسة، للبقاء في سدة الحكم، ولئلا يذهب إلى السجن. وبالمنطق نفسه، ما زال يتعامل حتى يومنا الحالي في إدارة الأزمات التي يمر بها حكمه.
نتنياهو يقابل في هذه المرة عتاة “الجيش” داخل مجلس الحرب وفي قيادة الأركان، وخصوصاً غادي أيزنكوت الذي وضع استراتيجية لـ”الجيش” عام 2015 بهدف تجاوز أي محاولة للاستخدام السياسي لـ”الجيش”، وأن يتم تحميله مسؤولية الفشل العسكري وحده. وقد حاول تغيير ما بناه أيزنكوت مرات عدة، وآخرها في الوقت الحالي.
الهجوم الذي استهدف “الجيش” من قبل نتنياهو وفريقه يمثّل اتساعاً في الشرخ الداخلي في حكومة الاحتلال، وكل طرف يدرك أهداف الطرف الثاني، لكن المختلف في هذه المرة أن “الجيش” يخوض الحرب، ولن يمرر لنتنياهو مخططه. وقد ظهرت بوادر ذلك في حديث مقربين إلى “الجيش” عن استياء المؤسسة العسكرية من عدم وضوح أهداف الحرب وقابليتها للتطبيق والثمن الباهظ الذي يقدمه في مقابل تحرك سياسي ضعيف يهدد بتبديد الإنجازات العسكرية.
نتنياهو الذي ضحّى بكل شيءٍ للبقاء على رأس الحكومة يرى نفسه ملكاً لكيان الاحتلال وسيد أمنه وأهم من المؤسسة العسكرية لبقاء الدولة واستمرارها، وهو مستعد للتضحية بقيادة الجيش الحالية، ولا يهمه تأثير ذلك في الصورة التي سيؤول لها “الجيش، وهمه الوحيد عدم الذهاب إلى السجن حالياً.
السلوك التاريخيّ لنتنياهو ما زال حاضراً في التعامل مع خصومه ومع المؤسسة العسكرية. صحيح أنه يدرك أن قدرته على مهاجمة “الجيش” فيها مخاطرة قد تقلب الرأي العام في كيان الاحتلال ضده، إلا أنه يحاول توجيه هجومه إلى أشخاص محددين، مثل رئيس هيئة الأركان وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، مستنداً إلى وقائع وأحداث عدة، بداية من 7 أكتوبر وصولاً إلى الفشل في تنفيذ أهداف الحرب.
بالتوازي، يسعى نتنياهو لاستفزاز قيادات “الجيش” لدفعهم إلى توسيع الحرب والاستمرار بها لفترة أطول، وهو هدف يتطابق مع رؤيته للحرب ليهرب من المحاكمة ودخول السجن الحتمي.
“الجيش” يدرك أن نتنياهو يستخدمهم لتحقيق مصالحه الشخصية، ويرون في ذلك تهديداً لا يمكن القبول به، فقادة “الجيش” باتوا بلسان حال نتنياهو متهمين بالفشل والتقصير، وهذا الأمر لا يمكن القبول به، لأنه سيؤثر في مستقبلهم السياسي بعد نهاية الخدمة العسكرية كباقي قادة “دولة” الاحتلال؛ “أبناء الجيش”.
في المحصلة، ستنتهي الحرب، وسيكون نتنياهو في السجن، لكن قبل ذلك ستكون “دولة” الاحتلال قد مرت بحالة انكسار خارجي وشرخ داخلي سيفجّر خلافات أعمق بين اليمين واليسار والمستوى السياسي والعسكري.