عطوان يكتب عن الرد الايراني والنقاط التسع
كيف جاء الرّد الإيراني على اغتِيال سليماني “أخطر” بكثير ممّا توقّعه الكثيرون؟ وما هي النّقاط التّسع التي تُفَسِّر المُفاجأة الإيرانيّة برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمِئة؟ وما هو السّيناريو الإيراني القادم؟ وهل تمتلك طِهران قنابل نوويّة فِعلًا؟
عبد الباري عطوان
جاء الرّد الإيراني الرّسمي على اغتِيال الجِنرال قاسم سليماني في ذِكراه السنويّة الأُولى صاعِقًا ومُفاجِئًا، وأضخم بكثير ممّا توقّعه الكثيرون في المِنطقة والعالم، ممّا يَعكِس ثقةً بالنّفس ناتجةً عن اتّخاذ جميع الاحتِياطات اللّازمة لِما يُمكن أن يترتّب عليه من تطوّرات، بِما في ذلك الحرب.
الرّد الذي نتحدّث عنه، لم يَكُن شن هُجوم على سفارةٍ إسرائيليّة، أو اغتِيال جُنود أمريكيين، وإنّما وحسب إعلان السيّد علي ربيعي، المُتحدّث باسم الحُكومة اليوم الاثنين، هو استِئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة تَصِل إلى 20 بالمِئة من مُنشأة “فوردو” النوويّة التي أُقيمت في باطِن جبلٍ عِملاق يَصعُب على كُل القنابل التقليديّة تدميره.
هذه الخطوة الاستراتيجيّة جاءت تطبيقًا لقرارٍ صدر عن مجلس الشّورى بالإجماع قبل أيّام، إلى جانب قرارات أُخرى أبرزها عدم السّماح للمُفتّشين الدّوليين التّابعين لوكالة الطاقة الذريّة بزيارة المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وإلغاء مُهلَة الشّهرين بالتّالي.
ماذا يعني هذا “التحدّي”، وما هي التّبعات التي يُمكِن أن تترتّب عليه؟ واختِيار هذا التّوقيت بالذّات للإقدام عليه؟ الإجابة نُوجِزها في النّقاط التّالية:
-
أوّلًا: من الواضح أنّ إيران لا تخشى التّهديدات الأمريكيّة والإسرائيليّة، ولا تُرهِبها حامِلات الطّائرات والغوّاصات النوويّة، وتملك برنامجًا استراتيجيًّا مُتكامِلًا وهذه الخطوة، أيّ رفع نسبة التّخصيب قد تكون البِداية.
-
ثانيًا: استِلام جناح الصّقور زِمام المُبادرة في الإدارة الإيرانيّة، وتحييد الجناح “المُعتدل” أو “الإصلاحي” الذي يتزعّمه الرئيس حسن روحاني، وهو الجناح الذي كان يُريد التّهدئة وعدم التّصعيد.
-
ثالثًا: إيران لم تَعُد تنتظر وصول جو بايدن الرئيس المُنتَخب إلى البيت الأبيض، وعودته للاتّفاق النووي عبر مُفاوضات ماراثونيّة، لأنّها بات لديها شُكوك في ظِل تصعيد دونالد ترامب وأنصاره العُنصريين، بأنّه سيكون على رأس السّلطة في الولايات المتحدة في 20 يناير المُقبل، والرّهان عليه خاسِر.
-
رابعًا: توصّل القِيادة الإيرانيّة إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ الاتّفاق النووي مات وتحلّل وشَبِع موتًا ولا يُمكن إحياؤه من جديد، بسبب الشّروط الأمريكيّة والإسرائيليّة التعجيزيّة، وكان آخِر من عبّر عنها وزير الطّاقة الإسرائيلي عندما قال إنّ أيّ اتّفاق نووي جديد يجب أن يتضمّن بندًا صريحًا يَنُص على تفكيك البرنامج النّووي الإيراني بالكامِل، إلا فلا اتّفاق.
-
خامسًا: المؤسّسة الإيرانيّة الحاكمة شعرَت بالإهانة عندما طلبت “إسرائيل” ودول عربيّة بينها السعوديّة المُشاركة في أيّ مُفاوضات قادمة للعودة إلى الاتّفاق النووي، مُضافًا إلى ذلك وصول قناعة لديها بأنّها لا تُريد تِكرار أخطاء الرئيس العِراقي صدام حسين والعقيد معمر القذافي وتصديق الوعود والضّمانات الغربيّة.
-
سادسًا: منحت القِيادة الإيرانيّة أوروبا الشّريكة في الاتّفاق النووي مُهلةً لأكثر من عامين لكيّ تُنقِذ الاتّفاق من الانهِيار، وتُقدّم أنظمة ماليّة، وبرامج اقتصاديّة بديلة تُخَفِّف من العُقوبات الأمريكيّة، ولكنّها فَشِلَت فشلًا ذريعًا في هذا الاختِبار.
-
سابعًا: إيران تملك الخبرة اللّازمة، والعُلماء الأكفّاء، والحُلفاء الأقوياء، لإنتاج أسلحة نوويّة، وأكّدت مصادر المُخابرات الأمريكيّة (سي آي إيه) أنّها، أيّ إيران، فكّكت برنامجًا سِريًّا لإنتاج هذه الأسلحة عام 2003، وإذا صحّت هذه المعلومات فإنّ إحياء وتفعيل هذا البرنامج لا يحتاج أكثر من بضعة أسابيع إن لم يَكُن أقل، ولا بُدّ أنّ مَعدّاته مخفيّة في مكانٍ ما تحت الأرض.
-
ثامنًا: إيران تملك حاليًّا حواليّ 3000 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصّب، وهذه الكميّة تُؤهّلها لإنتاج قُنبلتين نوويتين، حسب الخُبراء الغربيين، وفي حُدود ثلاثة أشهر حسب تقديرات أحدهم، وهو ديفيد أولبرايت، مُفتّش الأسلحة النوويّة الأمريكي السّابق، ويقوم هذا الافتِراض على أساس امتِلاك إيران أكثر من ألف جِهاز طرد مركزي حديث ومُتقدّم، وهي تملكها فِعلًا، وموجودة حاليًّا في مُنشآة فوردو المُقامة في بطنِ جبل قُرب مدينة قم ويَصعُب تدميرها.