مستقبل الاقتصاد السياسي للتطبيع
بقلم – صلاح الداودي
علينا أن ننبّه إلى مقولات راجت وتم تداولها منذ العام 2004 على الأقل، على غرار مقولة اقتصاد بلا سياسة، ومقولة الاقتصاد الغبي، والاقتصاد المحايد لاحقاً.
بعيداً من النظرة الصهيو- أميركية، وضد النظرة الصهيو- خليجية، وأبعد من النظرة الأورو- عربية أو الأورابية الاستعمارية، لا مخرج لأمتنا العربية والإسلامية سوى منظور مقاوم للشرق الكبير
ولذلك، علينا أن ننبّه إلى مقولات راجت وتم تداولها منذ العام 2004 على الأقل، على غرار مقولة اقتصاد بلا سياسة، ومقولة الاقتصاد الغبي، وربما الاقتصاد المحايد لاحقاً، وأطروحات من قبيل: السياسي يجب أن يكون من أصحاب الثروة، ويجب عليه من هذا المنطلق أن يدير الاقتصاد.
هذه المقولات والأطروحات تطبخ كلها في الأوساط الاقتصادية والمالية العالمية، وبتحكم صهيوني. وقد أدت، ولا تزال، إلى التطبيع العميق والمعمق الذي نراه هذه الأيام، والذي هو في الحقيقة ما بعد التطبيع، وبالأحرى اندماج مع الصهاينة اندماجاً تبعياً استسلامياً ومهيمناً عليها.
يعني ذلك قولاً واحداً هو أن ملوك ومشايخ وأولياء عهد الثروة والسلطة دخلوا مرة واحدة مرحلة الصهيونية العارية، نتيجة مسار كامل وواسع النطاق من التمهيد الاستعماري الغربي، الذي وظفت فيه كل وسائل الاستتباع والإخضاع والعبودية الطوعية، بما فيها التنمية المستعارة والأمن المستورد والإرهاب البنائي.
ويعني ذلك في المقابل اغتصاب أحلام كل الذين انتفضوا من أجل انتقال وطنهم العربي الكبير إلى مرحلة الطور التنموي السيادي للديموقراطية القاعدية والموسعة، وأن هذا الانتقال السيادي الاستراتيجي المنشود تم اعتراضه استباقياً بمشروع تأبيد التبعية، المرتبط جوهرياً بكيان العدو الصهيوني، والاستعمار الغربي، ووكلاء الصهاينة الإقليميين، ولم يتبقَ لشعبنا العربي في كل مكان سوى خيار المقاومة الأشمل، أو خيار المواجهة الأوسع والأعمق والأشرس في كل نطاق، من المحلي إلى القومي، وفوق القومي والأممي.
يجري إغراق مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج في أوهام السياسة وتكنوقراط نخب الاستعمار والكفاءات المستقلة لإدارة شؤون هذا الاستعمار من داخل منظومة أنظمة أفلست، ولم تنجح هذه الكفاءات المزعومة سوى في تنفيذ برامج تخلف وتبعية في الإشراف على شركة أو جامعة أو مؤسسة حكومية أو إدارة قطاع بسياسات انتفضت ضدها الجماهير وتم الانقلاب عليها.
إن إغراقاً كهذا يعني في الأخير، كما هو واقع الحال، وانطلاقاً من مقولة اقتصاد بلا سياسة، سياسة بلا سيادة، وسياسة بلا أحزاب، وبلا تنظيمات سياسية وشعبية واجتماعية، واندماجاً تطبيعياً بلا مقاومة، وشعوباً بلا سلاح، وأمة بلا وطن، ووطناً بلا دول، ودولاً بلا قرار، وجغرافيا بلا تاريخ، ومنطقة بلا فلسطين، وفلسطين بلا مقاومة، وأرضاً بلا شعب، وشعباً بلا فكر، ولا روح، ولا ثوابت، ولا قيم، ولا إيمان، وحياة بلا هدف، وبلا مشروع، وبلا كرامة، ومجرد حقوق مزعومة بلا وجود، وبقاء بلا مصير.
وإن أوضح عنوان هو مرحلة ما بعد فلسطين، وما بعد الدولة، وما بعد الوطن، وما بعد الأمة، وما بعد الأديان، وما بعد الإنسان، وهذه هي الخيانة الأعظم: خيانة الأمة، والعدوان الأعظم: العدوان على الأمة. هذا المعنى ليس مجرد حالة خيانة معزولة أو خيانة عظمى في بلد ما، بمفهوم خيانة العميل ضد مصالح بلده في منظومة الاستعمار التقليدي
لقد أصبح الاندماج التطبيعي أكثر من مجرد جريمة تطبيع، وأكبر من مجرد اتفاق، وأخطر من مجرد أوهام سايكس بيكو، على شاكلة شأن داخلي وشأن دولة، بل إن هذا الاندماج التطبيعي سلاح حرب ناعمة وصلبة أو ناعم وصلب
ولهذا، إن هذه الحرب الاقتصادية والأمنية الناعمة والصلبة هي عبارة عن استسلام بلا حرب، يغطي كامل أهداف العدو في بيئة استراتيجية ملائمة، من خلق فردانيات بلا هم جماعي، إلى توهم خلاص بلا وحدة، وشعب بلا هوية، ودول بلا قوة، وازدهار بلا مقدرات ذاتية، وهو ما يحدث مع الإمارات وغيرها، ونقصد ما تروج ويروجون، وقد أصبحت محميات محتلة
إن هؤلاء المتسايسين الهواة الجدد “لا هم سياسيون ولا هم متسيسون” من خارج كل عملية سياسية، وكل فهم للسياسة، كفنّ حكم، وكفنّ خدمة للناس، وكفنّ قيادة للجماهير، وكعلم بناء الحضارات وحفظ الشعوب والدول والأمم، وتأمين تكليف وتحقيق رسالة الحق والعدل، كأنما يريدون مخاطبة الناس قولاً: إما الخبز ذلاً، وإما الموت جوعاً، إما القدس وإما تل أبيب، إما القدس وإما أبو ظبي، إما المنامة وإما القدس، إما الخرطوم وإما القدس… بينما شؤون مقاطعة ومقاومة العدو مقدس، وليست خياراً ولا وجهة نظر.
من طبع جاع، ومن باع ضاع.
إن الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي سياسية المنهاج نت وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً