“لوموند”: الحرب في غزة تفاقم صعوبة التفاهم بين “إسرائيل” وبقية دول العالم
مع مرور أيام العدوان الإسرائيلي الطويلة على غزة ينشأ اختلاف عميق في وجهات النظر بين العالم الخارجي و”إسرائيل”. حيث يركز الخارج بشكل قوي على نتنياهو وتحميله المسؤولية.
بيوتر سمولار
نقله إلى العربية بتصرف: زينب منعم.
كتب بيوتر سمولار، مراسل “لوموند” في واشنطن تقريراً بعنوان “الحرب في غزة تفاقم صعوبة التفاهم بين إسرائيل وبقية دول العالم“، يتحدث فيه عن الاختلافات في وجهات النظر بين “إسرائيل” وباقي دول العالم والتي نشأت على إثر المذبحة التي تقوم بها “تل أبيب” في غزة:
نص التقرير
بعد أن عمّت حالة من الاندهاش الشديد العالم إثر هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، غيّرت العملية العسكرية الإسرائيلية نظرة العالم تجاه ما يحدث في فلسطين، وزادت من عزلة الدولة اليهودية على الساحة الدولية.
غليان في الجامعات، غضب عارم على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، وازدياد في مظاهر معاداة السامية… وصاحب هذا التحول اختلاف عميق في وجهات النظر بين العالم الخارجي و”إسرائيل”. فمن الخارج، هناك تركيز قوي على بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتحمّل مسؤولية هائلة في الأزمة التي تعصف بـ “إسرائيل”، أزمة أمنية وأخلاقية وأزمة هوية على حدّ سواء. فهو قد تحالف مع ممثلي القوميين اليهود المتشددين. لكن هذا الصعود للقبلية الدينية القومية ينبىء بتفتت المجتمع الإسرائيلي.
كذلك، يتعين على نتنياهو أن يتحمل مسؤولية ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ولن تتمكن سوى لجنة تحقيق من تسليط الضوء على التحذيرات التي لم تؤخذ في الاعتبار والتحليلات التي تمّ تجاهلها. لكننا نعلم أن “بيبي” (والمقصود هنا بنيامين نتنياهو) كان يفضل انهيار المشهد السياسي الفلسطيني، وعقد اتفاقيات ضمنية مع حركة حماس في غزة. ومرة أخرى، تم تقاسم هذه المسؤولية مع كبار الضباط والنخب الإسرائيلية. فدولة بأكملها كانت تعاني من الدوار التكنولوجي ومقتنعة بتفوقها المطلق على الفصائل الفلسطينية المسلحة.
واليوم، ومن خلال التركيز على نتنياهو، الذي أصبح فقدانه لمصداقيته لدى الرأي العام أمراً فاضحاً، يفتقد الخبراء الغربيون لتعاضد المجتمع الإسرائيلي الغارق في حالة من الحداد والغضب. وبهذا المنطق تتخذ حكومة الحرب – وليس نتنياهو وحده – هذه القرارات العملية.
ولعل ما تقدم يوصلنا إلى الاختلاف الثاني في وجهات النظر بين”إسرائيل” والعالم الخارجي وهو الحاجة الملحة لإنهاء ما يجري. بالنسبة للعالم أجمع اليوم، خارج الولايات المتحدة، فإن الأولوية الآن تتمثل في وضع حد للمذبحة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. أمّا بالنسبة لـ”إسرائيل”، فإنّ شعار “تدمير حماس” يبرّر كلّ أفعالها. فهي تخلط بين الأهداف العسكرية المشروعة وإشباع رغبتها في الانتقام، بعد صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر. “فمن أجل استعادة أمن الوطن والردع لا بد من استئصال الورم، حتى لو هلك الجسد الفلسطيني”.
حتى يومنا هذا، لم تتم موازنة عدد الضحايا في غزة (المقدر بنحو 21 ألف شخص) والنازحين، ناهيك عن الدمار الحاصل من خلال حصيلة عملياتية نهائية. وهنا يبدو أن حجم الضربات الإسرائيلية العشوائية غير مبرر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هيئة الأركان العامة لحركة حماس وقيادتها السياسية لم يمسسهما أيّ سوء تقريباً، على الرغم من القضاء على الرجل الثاني في المكتب السياسي للحركة الإسلامية، صالح العاروري، يوم الثلاثاء 2 كانون الثاني/يناير.
هذا ويرد المسؤولون الإسرائيليون بأنها مسألة وقت فحسب. ولعلّ صور جثة يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، تشفي غليلهم. لكن هل ستغيّر هذه الصور معالم المأساة الحاصلة في القطاع؟ في هذه المرحلة، بالنسبة لـ”إسرائيل”، فإنّ الاعتراف بالفشل من شأنه أن يسبب شكلاً من أشكال الانهيار المتفاقم بسبب المصير الدراماتيكي للرهائن المتبقين. إنّ الحرب التي تفقد عدالتها تصبح مجرد حرب، وتترك من يشنونها لضمائرهم ومسؤولياتهم السياسية والأخلاقية والجنائية.
ولهذا السبب يقترح الأميركيون إعادة ضبط العمليات والانتقال إلى عملية مكافحة الإرهاب على الرغم من أن تجربتهم في أفغانستان أو العراق لم ترق إلى المستوى المطلوب. ويتعين على الإسرائيليين المضي في هذه الخطة، ليس استجابة لهذه الضغوط الودية بقدر ما هي استجابة للقيود التي يواجهونها. فتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط لا يمكن أن تستمر على المدى الطويل من دون الإضرار باقتصاد “إسرائيل”. ماذا عن المساعدات الإنسانية ومستقبل الفلسطينيين؟ الإسرائيليون لا يعدون هذه مشكلتهم.
أما الاختلاف الثالث في وجهات النظر بين “إسرائيل” والعالم فيتعلق بفترة ما بعد الحرب. فقد أعلن نتنياهو أنه “لن تكون هناك فتحستان ولا حماستان” في غزة، واضعاً الجماعات الفلسطينية في الخانة نفسها. ويتمسك رئيس الوزراء بتحالفه مع اليمين القومي المتطرف. لكن هذه الحسابات تتوافق أيضاً مع تشاؤم جوهري قائم في المجتمع الإسرائيلي متمثل في استحالة إحلال السلام. ومن المؤسف أنّ النزعة الأحادية الإسرائيلية قد تعززت خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ومع ذلك، وفي ظل هذه الحقبة المظلمة، تسعى إدارة بايدن لتوفير فرصة لإحياء حل الدولتين. ويتحدث البيت الأبيض عن ضرورة “تنشيط” دور السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من العودة إلى قطاع غزة. وهذا الأمر يفترض، من دون الإفصاح عنه صراحةً، إزالة محمود عباس، المشارك في هذا التقاعس الذي تعانيه السلطة الفلسطينية منذ العام 2004. وقد يشمل ذلك أيضاً قبول انضمام حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مؤسسة تاريخية لا تعاني من السمعة السيئة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية.
إنّ ما يبدو خياراً في الغرب يمثل تهديداً للدولة اليهودية. فكيف يمكن تصور انتخابات تتقدم فيها حماس بمرشحيها؟ وبعد تشبيه “إسرائيل” هذه الحركة بتنظيم “داعش”، سيكون من الصعب عليها قبولها كلاعب مؤثر على الساحة السياسية. يبدو أن الإسرائيليين لم ينجحوا بعد بالتوصل إلى إجابات حول كيف ولماذا يجب التوصل إلى حل تفاوضي للصراع يسهم في تعزيز أمنهم القومي.
الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن سياسية الموقع