قمة ليست على مستوى الحدث أو المسؤولية
لو كانت الدول العربية والإسلامية جادة حقاً في وقف حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على الشعب الفلسطيني، لما انتظرت أكثر من شهر على بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كي تعقد قمتها في الرياض.
حسن نافعة
هل كانت الدول العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض اجتماعاً مشتركاً على مستوى القمة يوم السبت 11/11 تدرك أنَّ حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” حالياً على الشعب الفلسطيني سيكون لها تداعيات بعيدة المدى، ليس على مصير القضية الفلسطينية فحسب، إنما أيضاً على مستقبل منطقة الشرق الأوسط الشرق الأوسط؟ أشك في ذلك كثيراً.
صحيح أن هذه القمة أصدرت بياناً ختامياً مطولاً في نهاية اجتماعها القصير تضمن 31 قراراً، لكن معظم هذه القرارات اكتفى بالشجب والإدانة وبالتوصيف والتحليل وبمطالبة مجلس الأمن والمجتمع الدولي باتخاذ إجراءات معينة، وحرص في الوقت نفسه على تجنيب الدول المشاركة في هذه القمة تحمّل أي مسؤولية عما يحدث، ولم يلزمها باتخاذ أي إجراءات فاعلة للضغط على الولايات المتحدة و”إسرائيل” ودول أوروبا الغربية لوقف حربها العدوانية والإجرامية أو لنجدة الشعب الفلسطيني المنكوب.
على صعيد الوصف والتحليل والشجب والإدانة، رفض البيان توصيف لجوء “إسرائيل” إلى القوة المفرطة بأنه “دفاع عن النفس”، كما تدعي الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفاؤهما، ولم يتردد في وصفه بالعدوان السافر على الشعب الفلسطيني، وبالتالي لم يتردد في إدانته وفي المطالبة بمعاقبة “إسرائيل”، واستنكر في الوقت نفسه ازدواجية المعايير في القانون الدولي، مؤكداً أن هذه الازدواجية “تقوض بشكل خطر صدقية الدول التي تحصن “إسرائيل” وتضعها فوق القانون الدولي”.
كما دان إقدام “إسرائيل” على تهجير مليون ونصف مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، وكان حازماً في رفضه الكامل لمحاولات النقل والتهجير القسري والنفي والترحيل الفردي والجماعي للشعب الفلسطيني، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية، واعتبر مثل هذه التصرفات جرائم حرب، ودان استهداف المدنيين واعتداءات المستوطنين على الأماكن المقدسة وعلى الفلسطينيين، وأكد ضرورة إطلاق جميع الأسرى والمعتقلين، ولم ينسَ أن يندد أيضاً بمطالبة أحد أعضاء الحكومة الإسرائلية بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، مؤكداً ضرورة تخلص دول المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، تمهيداً لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من هذه الأسلحة، كما دان قتل الصحافيين…
أما على صعيد المطالب والدعوات، فقد طالب البيان مجلس الأمن بالوقف الفوري للعدوان الذي تشنه “إسرائيل” على الشعب الفلسطيني، معتبراً أن التقاعس عن ذلك يعد “تواطؤاً يتيح لإسرائيل الاستمرار في عدوانها”، كما طالب بإدانة ما تقوم به “إسرائيل” من “تدمير همجي للمستشفيات ومنع إدخال الدواء والغذاء والكهرباء وقطع الاتصالات”… ورفع الحصار المضروب على قطاع غزة منذ سنوات.
وحثّ جميع دول العالم على “وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، والتي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه وكل مقدراته”، وطلب من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية “استكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”.
ويلاحظ أنَّ هذا البيان لم يطالب الدول المشاركة في القمة باتخاذ إجراءات محددة وملزمة، سواء لوقف العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني أو لفك الحصار المفروض على هذا الشعب ولوضع حد لعملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها حالياً، واكتفى بعدد من الإجراءات الرمزية، من قبيل:
1- تكليف الأمانة العامة في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي “بإنشاء وحدتي رصد لتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
2- تكليف وزراء خارجية بعض الدول العربية بـ “بدء تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق سلام دائم وشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة”.
3- بدء “تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق سلام دائم وشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة”.
3- دعوة الدول الأعضاء في المنظمتين العربية والإسلامية “لممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية وقانونية واتخاذ إجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال”.
كما تضمن أيضاً دعوة المجتمع الدولي “لرفض الأطروحات التي تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، والتأكيد أن أي مقاربة مستقبلية لغزة يجب أن تكون في سياق العمل على حل شامل يضمن وحدة غزة والضفة الغربية”، و”عقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب وقت ممكن تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام ضمن إطار زمني محدد وبضمانات دولية”.
يتضح من هذا الاستعراض التفصيلي لفحوى البيان الختامي للقمة العربية والإسلامية غلبة الطابع الإنشائي عليه، والتهرب من تحميل الدول المشاركة فيها أي مسؤولية عما يجري أو مطالبتها باتخاذ إجراءات محددة لإعانة الشعب الفلسطيني في محنته القاسية.
البند الوحيد الذي يمكن القول إنَّه حمل طابعاً إجرائياً وعملياً هو البند رقم 3 الذي ينص على “كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل”.
ظاهر هذا النص يوحي بأن الدول المجتمعة في الرياض قررت القيام بعملية جريئة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وفرض إدخال قوافل المساعدات بكل الوسائل المتاحة، من دون طلب إذن من أحد، بما في ذلك “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، غير أن واقع الحال يقول إن هذه الدول لم تقم باتخاذ أي خطوة عملية على هذا الصعيد، على الأقل حتى كتابة هذه السطور، ما يدلّ على أنها تفتقد الإرادة والتصميم أو أنها لم تكن جادة أصلاً في اتخاذ هذا القرار.
غني عن القول أنَّ بعض ما يتضمنه هذا البيان يتناقض كلياً أو جزئياً مع ممارسات العديد من الدول العربية والإسلامية التي شاركت في قمة الرياض؛ فالبيان، على سبيل المثال، يطالب دول العالم “بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي”، لكنه لم يطالب الدول المشاركة في المؤتمر بإغلاق القواعد العسكرية التي أقامتها الولايات المتحدة على أراضي بعض هذه الدول، رغم أنها تستخدم في نقل الأسلحة مباشرة إلى “إسرائيل”، كما كان الأحرى به أن يطالب الدول التي تقيم علاقات أمنية مع “إسرائيل”، ومنها السلطة الفلسطينية نفسها، بقطع هذه العلاقات على الفور.
وعندما يطالب البيان الدول الأعضاء في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي “بممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية وقانونية واتخاذ إجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال”، ألم يكن من الأولى أن يطالب الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية وسياسية وتجارية مع “إسرائيل” بقطع هذه العلاقات أو يطالب الدول التي تبيع النفط والغاز للدول الداعمة لـ”إسرائيل” في عدوانها الراهن على قطاع غزة بأن تمتنع عن تصدير هذه السلع الاستراتيجية والحيوية! لكن من الواضح تماماً أن هذه الدول تحديداً هي التي أرادت لبيان الرياض أن يكون فضفاضاً وإنشائياً، ما أفقده الكثير من المصداقية.
لو كانت الدول العربية والإسلامية جادة حقاً في وقف حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة منذ 15 عاماً، لما انتظرت أكثر من شهر كامل على بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كي تعقد قمتها في الرياض.
وليس هناك تفسير لهذا التقاعس سوى أن عدداً كبيراً من هذه الدول تعمد لمنح “إسرائيل” ما تحتاجه من وقت للقضاء على منظمة حماس عسكرياً وإسقاط حكمها في غزة، وهي الأهداف نفسها التي تسعى “إسرائيل” لتحقيقها.
ومن المعروف أن بعض الدول العربية يرى في منظمة حماس امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين التي يناصبها العداء أكثر مما يرى فيها أحد فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الصهيوني، ولا يتردد في تحميلها مسؤولية الحرب المشتعلة الآن، ويعتبرها رداً طبيعياً على عملية “طوفان الأقصى”، وهو طرح شديد الخطورة ويعد نوعاً من الانتحار السياسي في حقيقة الأمر.
لقد أثبتت الأعوام الخمسون الماضية أنَّ “إسرائيل” عرقلت كل تسوية سياسية تقوم على أساس مبدأ “الأرض مقابل السلام”، ولو كانت تسعى لتحقيق مثل هذه التسوية، لتوصلت إليها منذ فترة طويلة، وخصوصاً في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي قدم لها ما لم تكن تحلم به من تنازلات حين وقع معها على اتفاقية أوسلو عام 1993، أي قبل أن يصبح لمنظمة حماس وجود مؤثر في الساحة الفلسطينية.
لم تكن قمة الرياض على مستوى الحدث ولا على مستوى المسؤولية أيضاً، وأظن أنها كشفت عن حقيقة مفادها أن الدول العربية والإسلامية لا تزال منقسمة فيما بينها إلى معسكرين؛ أحدهما يرى أن إيران هي مصدر التهديد الرئيسي في المنطقة، وأن تسوية القضية الفلسطينية سلمياً، ولو بالشروط الإسرائيلية، ستمهد الطريق أمام تعاون عربي إسرائيلي يساعد على مواجهة الخطر الإيراني المشترك، والآخر يرى أن المشروع الصهيوني يشكل مصدر التهديد الرئيسي للمنطقة، وأن مقاومته بكل الوسائل، بما فيها القوة المسلحة، هي السبيل الوحيد لإزالة هذا التهديد. ويبدو أن نتائج الجولة الحالية من الصراع المسلح سترجح كفة أحد المعسكرين على حساب الآخر.
الآراء الواردة في هذه المقالة ليس بالضرورة أن تعبر عن سياسية الموقع وإنما تعبّر عن التضامن مع القضية الفلسطينية.
نقلاً عن الميادين.