نهاية “إسرائيل” الأشكنازية كلاعب إقليمي
من أخطر الذرائع، التي يسوّقها المطبّعون من أجل تبرير التحاقهم بالكيان الصهيوني، مقاربتُهم غير العلمية وغير التاريخية، والمستمدة من المقاربات والإحالات الصهيونية، والتي تخلط عمداً بين “إسرائيل” الحالية والمجاميع اليهودية،
موفق محادين
بعد حرب تشرين، ثم حرب الخليج، ثم فشل العدو الصهيوني (الكيان الموقت) أمام حزب الله عام 2006، ثم أمام القسّاميين والمقاومة في غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وقع العدو على نهايته التاريخية الاستراتيجية من زاوية الوظيفة العسكرية التي شكلتها الإمبريالية، البريطانية ثم الأميركية، ولم يعد هذا الكيان وفق المحلل الأميركي اليهودي، جورج فريدمان، مؤهلاً ولا قادراً على إعادة إنتاج نفسه.
أما نهايته السياسية، بالمعنى التاريخي، سواء استغرق ذلك أعواماً أو أكثر، فوقّعتها حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومن المؤكد، بمعنى الدلالات والمعطيات السياسية والعسكرية، أن العدو دخل فعلاً مرحلة الهزيمة السياسية الكبرى، أياً كان حجم الدعم اللوجستي الأميركي له. ويُشار هنا إلى المعطيات التالية:
أولاً: شكلت الهجرة، كما هو معروف، قوام الكيان الصهيوني وأساسه، وارتبطت بمعدلات عالية من اليهود الأشكنازيم – الخزر – وغيرهم من أوروبا الشرقية، والذين عُرفوا باليهود الغربيين. وهو مصطلح إشكالي تناولناه في مقال سابق.
مع الزمن، وتحت تأثيرات متعددة، تزايد اليهود العرب، وخصوصاً من المغرب والعراق واليمن، وظلوا ملحَقين بالقوى الأشكنازية، سواء حزب العمل وتجمع المعراخ، أو حيروت وتجمع الليكود (لم تخلُ هذه الأحزاب والتكتلات من يهود عرب وشرقيين من حوض المتوسط وأفريقيا وآسيا).
نتيجة أسباب اجتماعية، تراجع حجم اليهود الأشكنازيم أمام غيرهم من حيث معدلات الولادة، كما بسبب المناخات الطائفية التي تزامنت مع التوظيفات الأميركية لها عبر حرب أفغانستان، وصولاً إلى الشرق الأوسط، وهي المناخات التي عززت الثقافة الحاخامية في الوسط اليهودي، الذي يوصف بالشرقي، وصولاً إلى أفكار، مثل “يهودية الدولة”، على إيقاع مشروع الشرق الإبراهيمي، والذي تزامن هو الآخر مع محاولات أقلام الاستخبارات الأميركية البريطانية وتحالفاتها في المنطقة، تفكيكَ “دولة” الحرس البيروقراطي لمصلحة أشكال من الكانتونات الطائفية.
عجّلت كل هذه المناخات تفسُّخ المجتمع الصهيوني وعمّقته، كما ظهر خلال الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة بشأن التعديلات التشريعية.
ثانياً: في ضوء الوعي المتزايد لدى الأشكنازيم بأن هذا الكيان لم يعد يستجيب لثقافتهم الغربية ومزاعمهم العلمانية، بدأت موجات متواضعة من الهجرة المعاكسة، وخصوصاً من حملة الجنسية المزدوجة. ومن المرجَّح أن تتفاقم هذه الموجة وتتوسع بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والتي قد تصل إلى مليون مهاجر على الأقل، ما إن تهدأ جبهات القتال، وخصوصاً أن الفظائع الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين ستعكس نفسها حتماً على مراجعات تدريجية في قلب الرأي العام العالمي.
ثالثاً: أياً يكُن مستوى الهجرة المعاكسة المنتظرة، فإنها ستُضفي على الكيان سمة شرقية وحاخامية أكثر فأكثر، ولا سيما إذا عرفنا أن فرص الهجرة المعاكسة عند الأشكنازيم أعلى بما لا يقاس من اليهود الآخرين.
في حالة كهذه من السمات الشرقية الحاخامية للكيان، يسقط كثير من دواعي المتروبولات الرأسمالية في احتضانه ورعايته. ومن هذه الدواعي الدور الوظيفي الإقليمي، والذي سقط بالتتابع من حرب تشرين إلى الحرب مع حزب الله وحماس، وكذلك الأكذوبة الدارجة عن الطابع الليبرالي، الذي يشبه الغرب الرأسمالي وسط “شرق من البرابرة”.
رابعاً: من المفارقات اللافتة للانتباه أن السمة الشرقية المتزمتة والمنتظَرة للكيان، شديدة الصلة بالأصول العربية. فالأغلبية الساحقة من هؤلاء سبق أن قدموا، أو أُجبروا على القدوم من العراق واليمن والمغرب، بالإضافة إلى الفئات اليهودية الهامشية من قاع المدينة، والتي تم جلبها من الخارج، سواء من دول أفريقية أو آسيوية أو غيرها.
بيد أن أصولها العربية لا تكفي لاختلاق ذرائع لدمج هذا الكيان في المشهد العربي، حتى أن هناك من المطبّعين العرب من حاول توظيف ذلك من أجل تبرير تكالبه على التطبيع وعلاقاته بالعدو، أو حتى لبناء علاقة ما بجامعة الدول العربية، بعد أن كادت تتحول إلى جامعة عبرية مع ازدياد العواصم المطبّعة. ويُشار هنا، بصورة خاصة، إلى أن هناك من حاول مقاربة الشرق الإبراهيمي كإطار لمجموعة من الطوائف في عموم الشرق الأوسط: سنة، شيعة، مسيحيين، ويهود (الطائفة الرابعة).
فالجذور العربية المشرقية للمجتمع اليهودي المذكور لا تضيف شيئاً عند التمعن في الجوهر والتربية والتركيبة لهذا المجتمع، الذي لا يتباين كثيراً عن العرب الدواعش والعباءة الوهابية التي خرجوا منها، والدور الإجرامي التكفيري الذي كُلِّفوا أداءَه من جانب مشغليهم، من أقلام الاستخبارات الأميركية والبريطانية والصهيونية والطورانية الجديدة. ويُشار هنا أيضاً إلى أن فكرة “المستوطَنات المسلّحة” في فلسطين المحتلة شديدة الشبَه بالمستوطنات الوهابية الأولى، وكذلك فكرة التكفير والهجرة.
خامساً: من أخطر الذرائع الأخرى، التي يسوّقها المطبّعون من أجل تبرير التحاقهم بالكيان الصهيوني، مقاربتُهم غير العلمية وغير التاريخية، والمستمدة من المقاربات والإحالات الصهيونية، والتي تخلط عمداً بين “إسرائيل” الحالية والمجاميع اليهودية، التي عرفها العرب قبل الدعوة الإسلامية وبعدها. فـ”إسرائيل” الحالية مشروع رأسمالي – صهيوني وُلد في القرن التاسع عشر، وكان وقودُه الأشكنازيمَ من أوروبا الشرقية والخزر الأتراك المتهوّدين وغيرهم، أما يهود الجزيرة العربية وسوريا والعراق فكانوا قبائل عربية، يقدّمون خدمات متعددة إلى ملوك الشرق آنذاك.
الآراء المذكورة في هذه المقال ليس بالضرورة
أن تعبّر عن سياسة الموقع وإنما تعبر عن صاحبها