تحالف الدرعية من التكامل الى الافتراق.
المنهاج نت
تأسست أواصر العلاقة الثنائية بين سلطة الدين والسياسة منذ المراحل الأولى لتكوين المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي كان أمير “الدرعية” محمد بن سعود، يخوض حروبه ضد خصومه لتأسيس إمارته، كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو الآخر يبحث عن وطن، ويتنقل بين المدن العربية حيث تلقى تعليمه في مدينة البصرة، لكنه ما إن أنهى تعليمه حتى انتقل إلى إمارة “عنيزة” إحدى المدن السعودية التابعة لمنطقة القصيم حالياً، متخذاً منها موطناً ومنطلقاً لنشر دعوته، التي ينشدها، والتي لم يستقر فيها طويلاً بسبب عدم رغبة أمير منطقة “عنيزة” في بقائه فيها.. أمره بالرحيل خشيةً منه، رحل الشيخ منها إلى إمارة الدرعية، التي استقبله أميرها محمد بن سعود، وكان صيته قد ذاع بين الناس، واعداً إياه بالحرية والأمان في نشر دعوته، فاتخذ منها الشيخ موطناً لإقامته ومركزاً لنشر دعوته السلفية الوهابية.
وبعد أن استقر المقام بالشيخ محمد بن عبدالوهاب في إمارة الدرعية، التي كان يحكمها الأمير محمد بن سعود، وبدأ محبوه وأتباعه بالتزايد والالتفاف حوله، عقد الشيخ والأمير تحالفا دينياً سياسياً يقوم على مبدأ تكون فيه السلطة الدينية للشيخ، والسياسية للأمير، وتعاهدا على أن يخوضا حربًا عنيفة وقوية في سبيل نشر الدعوة السلفية في كل أرجاء “الجزيرة العربية”.
بدأت الحروب “الفتوحات” مع الإمارات المجاورة لإمارة الدرعية، ومع مرور الوقت توسعت قائمة الحرب ضد خصومهم المعارضين لهم، فقد أستطاع الشيخ والأمير الاستيلاء على إمارات نجد وتوحيدها تحت سلطتهما، ثم تبع ذلك ضم الأحساء إليها، والمدينة المنورة ومكة والرياض، أما جنوباً فقد شنوا حروبهم على منطقة جدة حتى أقاصي الشمال اليمني نجران وجيزان وصولاً لمنطقة الوديعة اليمنية، المعروف جغرافياً بأنها ضمن الإطار الحدودي لمحافظة حضرموت اليمنية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل تجاوز أبعد من ذلك بكثير، فقد شنوا غزواتهم حتى وصل بهم الحال إلى غزو البحرين وقطر والكويت إلى أن وصلوا إلى مدينة كربلاء العراقية، عبر طريق مليء بأشلاء الجثث ومعمد بالدم الذي سفك كثيراً، إذ تشير المصادر إلى 3000 قتيل من أهل كربلاء، وهدم الأضرحة.
وظل ذلك الاتفاق قائماً رغم مرور العديد من العقود الزمنية المتعاقبة، حتى باتت فيها أسرة آل الشيخ هي السلطة الدينية المشرعة، بما يتوافق مع النظام السياسي القائم الذي يسير على خطى المؤسسين الشيخ والأمير، حتى تسلم الأمير محمد بن سلمان مقاليد السلطة السياسية في الآونة الأخيرة، ولم يلتزم بمواثيق عهد الأجداد الأوائل، بتقليصهِ لدور المؤسسة الدينية، بعد أن كانت بالأمس، المشرعة لمظهر الحياة العامة للمجتمع السعودي، بما يتوافق مع تعاليم الدعوة السلفية الوهابية الإسلامية، وبما يتوافق مع تعاليم الشيخ المؤسس، الذي خاض المعارك، وقتل فيها ما يقارب 250 ألف إنسان في شبه الجزيرة العربية، حسب ما تشير إليه المصادر التاريخية، لكي تظل المرجعية الدينية للمسلمين، بأن يجعلها ولي العهد عصاً مهملةً، مكسورة في زاوية من زوايا السياسة الجديدة، تتناقض مع تشريعاتها الإسلامية، واستبدلها بالمؤسسة الترفيهية على الطابع الغربي، باستقدام الممثلين للأفلام الإباحية وفتح البارات والنوادي الليلية، وتحليل المحرمات، وفتح المواسم للاحتفالات، وتقليص الحج، ورفع أصوات الأغاني، بدلاً عن أصوات الأذان المنادي بالصلوات الخمس المفروضة.. تبدلت الأحوال وبات السؤال الذي يفرض نفسه ما هو مستقبل الدعوة السلفية في ظل المتغيرات الراهنة؟