تعدد القطبية ومستقبل القضية الفلسطينية
وسام صالح البردويل
ثمة معطيات على الساحة الدولية، تدلل على تراجع الهيمنة الأمريكية على العالم، وأن عدة دول أخرى بدأت العمل الجاد على انهيار تلك الهيمنة والعودة إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي تسعينات القرن الماضي. روسيا بدأت تدق أول المسامير في نعش الهيمنة الأمريكية، عبر غزو أوكرانيا والتي ترمي من وراءه لعدة أهداف، أبرزها رسالة لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بأن الأمن الروسي خط أحمر وأن التهديدات والعقوبات وشبح الناتو لن تكسرالارادة الروسية وأنها ماضية في غزوها غير مبالية بثقل الدول الغربية وحلفها العسكري “الزائف”. هذه الرسالة تشير إلى أن العالم بعد الحرب لن يكون كما كان قبله، وأن روسيا ستحتل أوكرانيا ويفصلها عن ذلك عامل الوقت ليس إلا، وأن المطالب الروسية ستنفذ، لأن التراجع عن هذا الأمر أصبح من الماضي وأن أي تنازل روسي سيكون بمثابة النهاية لجبروتها ولن تقوم لها قائمة بعد ذلك. وبعد تلك التوطئة، فأين نحن من تلك المتغيرات الدولية وما مستقبل القضية الفلسطينية، هل سيؤثر الوجود الروسي في القطبية العالمية، على السلوك الاسرائيلي ومشاريع الاستيطان ومسارات التسوية للقضية الفلسطينية. أولا الناظر والمتأمل في التاريخ، يُدرك أن الأمر يخالف عديد التوقعات بأن تعدد القطبية سيكون عامل مساعد للفلسطينيين ورادع أو يُحجم السلوك الاسرائيلي في فلسطين، فالعلاقة بين روسيا واسرائيل تُعد من أقوى العلاقات الدولية إن لم تكن الأقوى، فتاريخيا تعتبر روسيا أول الدول المعترفة باسرائيل عام 1948، بالإضافة إلى الوجود الروسي الكبير في الوسط الاسرائيلي والذي يعد النواة الاولى لهذا الكيان، وما لحق بتلك العوامل من تشابك المصالح الاستراتيجية في سوريا مؤخرا، وصفقات الأسلحة وغيرها من عديد العوامل. والملاحظ لتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، يدرك حجم الدعم الاسرائيلي لروسيا والخوف من تدهور تلك العلاقات وأبرز المواقف الداعمة وإن كانت بطريقة ملتفة وهي التجاهل الاسرائيلي لأوكرانيا والاكتفاء بتصريحات مبعثرة هنا وهناك ومحاولات وساطة ودعم انساني محدود تعتبره أوكراينا جبُن اسرائيلي وخيانة للعلاقات، بخلاف الدول الغربية المهرولة نحو الدعم العسكري لأوكرانيا وإمدادها بالأسلحة والمعدات العسكرية والتواجد العسكري لاكساب عناصر الجيش الأوكراني خبرات قتالية. لم يكن هذا الموقف المتجاهل لأوكرانيا هو الأول، فقد سبقه موقف متجاهل سابق عند استرداد روسيا لجزيرة القرم عام 2014، فقد اتخذت اسرائيل وقتها موقف محياد ولم تنحاز لأوكرانيا ضد روسيا، ما اعتبرته حينها أوكرانيا بمثابة الطعنة في الظهر من قبل الحكومة الاسرائيلية. وحتى لا ننجر كثيرا في عمق العلاقة، فلو ربطنا المصلحة الاسرائيلية في المجال الجوي السوري نجد أن اتخاذ موقف يمكن أن يجلب الغضب الروسي والذي قد يكون له تداعيات استبعدها شخصيا وهذا الاستبعاد لا يدخله في خانة المستحيل، وبالتالي فإن المراوغة الاسرائيلية قدر المستطاع هي ديدن الحكومة الاسرائيلية وعدم الانجرار وراء الرغبات الامريكية التي من جانبها أيضا تتفهم حساسية الأمر وما يمكن أن يجلبه من ضرر على الطرفين على حد سواء. ولست بصدد الحديث في هذا المقال عن عمق العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي تربطهم مصالح وسياسات مشتركة وهناك من يعد اسرائيل الأداة الأمريكية في الشرق الأوسط. ثاينا فإذا ما ربطنا القضية الفلسطينية بالملف النووي الايراني، نجد أن الطرفان المختلفان (روسيا وأمريكا) متفقان على عدم امتلاك ايران للسلاح النووي وتحجيم قدرتها التسليحية، ويمكن قراءة من هذا النموذج أن الاختلاف مهما كبر حجمه فإن ثوابت عالمية تجمعهما، ولا يمكن لأي طرف في الشرق الأوسط من الدخول في صراعات مستقبلية على قطبية العالم أو التأثير على مسارات الدول الكبرى وخصوصا إذا ما تعلق الامر بإسرائيل التي تعتبر الوجود الايراني هو الأخطر على أمنها القومي. والشيء بالشيء يذكر، فإن الأمر لن يفيد القضية الفلسطينية سوى جلب بعض التصريحات المنددة في العلن والداعمة لاسرائيل في خطواتها الاستيطانية والتهويدية في الخفاء، لأن الطرفان يجمعهما مصلحة ابقاء عنصر فاعل وقوي في منطقة الشرق الأوسط لتنفيذ مشاريعهم ومصالحهم. لذا فإن القارئ للتاريخ، يفهم أن انتظار الأحداث الخارجية لن يجلب سوى التراجع والتدهور وأن أي تقدم يمكن أن يحرز في هذا الملف، لن يكون إلا بتأثير داخلي صادم وقوي، يمكن مشاهدته في هذه الآونة عبر بداية تشكل ثورة فلسطينية في الداخل المحتل والضفة وغزة، تقلق الاحتلال الاسرائيلي وتحاول قدر المستطاع لاحتواءه في ظل الانشغال الدولي خصوصا في هذه الفترة. لذا فالمطلوب في هذا الانشغال الدولي، هو العمل الجاد على توسيع وتنويع وتكثيف وسائل المقاومة الشاملة في جميع الساحات وخصوصا في الداخل المحتلة والضفة والقدس، والتي تشكل المساس المباشر بأمن اشسرائيل لفتح مسارات أغلقت منذ زمن في ملف القضية الفلسطينية وتقدمها في وجه الغطرسة الصهيوينة.