أسرار التقارب الصهيوني التركي
هلال نصار
في الوقت الذي طبع فيه البعض مع العدو الصهيوني، كانت القضية الفلسطينية تنتظر أملاً مرتقباً، لكن هناك من طبع سراً لسنوات، ووجد الفرصة للخروج إلى العلن أو التذرع بمصالح سياسية على حساب دماء الشهداء في ظروف استثنائية، إلا الفلسطينيين الذين اعتبروه “خيانة”، فجاءت الطامة الكبرى من قلب المسلمين لشعب فلسطين، فاستقبال تركيا أردوغان لرئيس كيان الاحتلال هرتسوغ أمر مرفوض ويمثل طعنة في خاصرة قضيتنا المقدسة، ويعتبر خيانة لدماء شهداؤنا وشهداء مرمرة الذين ارتقوا لنُصرة فلسطين المحتلة، وبينما تشكو غزة من انقطاع الكهرباء المتواصل في ظل الحصار المستمر منذ العام 2006، تعقد تركيا صفقات تجارية واقتصادية واتفاقات استراتيجية لتزويد الاحتلال بالغاز، فما المصلحة المشتركة للتقارب السري بين تركيا والكيان الصهيوني؟ وهل هذا الوقت مناسباً في ظل الاعتداءات المتكررة على القدس؟ يذكر أن العلاقات الإسرائيلية التركية هي مصالح ثنائية لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات المشتركة الموقعة بينهما منذ مارس 1949، عندما كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالكيان المحتل، وأعطى كلا البلدين أولوية عالية للتعاون العسكري والاستراتيجي والدبلوماسي والاقتصادي، مع مشاركة المخاوف فيما يتعلق بعدم الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، ومع ذلك تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل متزايد في العقد الماضي، ولم تقف حدود رقعة التطبيع بين الكيان المغتصب وتركيا على الاتفاقيات الاقتصادية فحسب
وإنما تعدتها لتصل إلى المجال العسكري والسياسي والدبلوماسي. بدأ مشوار التطبيع التجاري التركي_الصهيوني عقب النكبة الفلسطينية واحتلال الأرض والهوية، ففي 1958 وقع رئيس الوزراء الصهيوني دافيد بن غوريون ورئيس الوزراء التركي عدنان مندريس اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوڤيتي في الشرق الأوسط، وفي 1986 عينت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب، وفي 1991، تبادلت الحكومتان السفراء، وفي 1996، وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري، وقد وقع رئيس الأركان التركي الجنرال چڤيق بير على تشكيل مجموعة أبحاث إستراتيجية مشتركة، ومناورات مشتركة بين جيشي البلدين، منها تدريب عروس البحر المعتمد عليها، وهي تدريبات بحرية بدأت في يناير 1998، والعملية أورتشارد للقوات الجوية لكلا البلدين، كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية وتشتري جمهورية تركيا من إسرائيل العديد من الأسلحة وكذلك تقوم دولة إسرائيل بتحديث الجيش التركي من دبابات وطائرات حربية. وعلى مدار العقدين السابقين تم فتح العديد من المكاتب التمثيلية والتجارية بين عدد من الدول العربية والإسلامية وإسرائيل، وجميع هذه العلاقات كان الرابح بها هو الطرف الصهيوني فقط، فقد حققت قيادة الكيان هدفين في آن واحد من تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، الهدف الأول هو: ترسيخ وجود وتأثير إسرائيل في المنطقة العربية، وزعزعة التمسك بالثوابت العربية والإسلامية، وبالتالي التخلي عن القضية الفلسطينية وعن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، الهدف الثاني: وهو الأرباح التي تحققها إسرائيل نتيجة العلاقات التجارية والسياحية مع الدول المُطبعة. لماذا الآن؟ وتوتّرت العلاقات التركية الصهيونية بعد مقتل 10 مدنيين خلال مداهمة قافلة بحرية تركية كانت متّجهة إلى قطاع غزة في العام 2010، وتصاعد التوتر مع سحب سفيري البلدين في 2018 بعد مقتل محتجّين فلسطينيين في قطاع غزة، وتثير بوادر التقارب بين الطرفين تساؤلات عدة حول أسرار هذا التقارب بعد سنوات من توتر العلاقات، وترى الخبيرة في الشأن التركي بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب “غاليا لندنشتراوس” أن زيارة هرتسوغ تمثل “منعطفاً” بالنسبة للرئيس التركي رغم “عدم وجود تغير جوهري في السياسة الصهيونية تجاه الفلسطينيين”، هذا وقد ربط خبراء ومحللين التطور الحاصل في العلاقات بين الجانبين بالإطاحة برئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتانياهو في حزيران/يونيو الماضي، إذ شهدت العلاقة بينهما توترات حادة، ونقلت وكالة فرانس برس: “بالتأكيد فإن تشكيل حكومة جديدة بعد فترة طويلة من حكم نتانياهو يعتبر فرصة جديدة” للجانبين. فيما أعلن عن تجميد العلاقات الثنائية بعد تسريب تقرير بعثة تقصي الحقائق الأممية في أحداث أسطول الحرية، قامت تركيا بطرد سفير إسرائيل لديها، وأعلنت تجميد الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل، وقالت تركيا أنها ستلجأ إلى محكمة العدل الدولية لكي تقرر مشروعية الحصار التي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، ثم أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعليق العلاقات التجارية والعسكرية في مجال الصناعات الدفاعية، وقال أن وجود السفن الحربية التركية سيزداد في منطقة شرق البحر المتوسط وهدد بعقوبات أخرى إذا لم تعتذر إسرائيل عن مقتل المواطنين الأتراك، وقال أحد مستشاريه أن المقصود في التعليق هو التجارة الثنائية في مجال صناعة الأسلحة، وليس التجارة عمومًا، وفي 8 أيلول/سبتمبر، 2011 أعلن أردوغان أن السفن الحربية التركية سترافق أي قافلة مساعدات تركية متجهة إلى قطاع غزة، وطالب إسرائيل بإعادة 6 طائرات من دون طيار، كان قد تم الاتفاق على تصليحها، ولم تعد في الوقت المحدد، وفي 22 مارس 2013 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذاراً رسمياً لنظيره التركي أردوغان خلال مكالمة هاتفية على الهجوم واعترف بحدوث «بعض الأخطاء العملية» وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا، مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث قانونياً، واتفق الجانبان على تبادل السفراء وتطبيع العلاقات، وذلك خلال مكالمة هاتفية شجع عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته إلى إسرائيل في تلك الفترة. فيما ذكر بيان مشترك صادر عن مكتب هرتسوغ ووزارة الخارجية الصهيونية: إن “تركيا وإسرائيل لديهما نفوذ واسع في المنطقة، وقد توافقتا على أن إعادة تأهيل العلاقات بينهما يمكن أن تسهم في ترسيخ الاستقرار الإقليمي”، وقد تكون زيارة هرتسوغ لتركيا تتويجاً لجهود التقارب بين الطرفين، التي بدأت قبل شهور، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حين تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاتفياً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وهو أول اتصال من نوعه منذ عام 2013، وجاءت المكالمة بعد ساعات قليلة من إطلاق سراح زوجين إسرائيليين احتجزا في تركيا لمدة أسبوع للاشتباه في قيامهما بالتجسس. بعد عقد من توتر العلاقات بينهما، تستعد إسرائيل وتركيا لـ”فتح صفحة جديدة”، قد تتجلى ملامحها إلى ما بعد زيارة أنقرة، فقد تمثل الزيارة تحقيق رزمة أهداف سياسية وتوقيع اتفاقيات جديدة ومتبادلة بين إسرائيل وتركيا حول تزويد أنقرة الغاز الطبيعي لتل أبيب كبديل من التهديد الاستراتيجي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية الجارية بحسب يديعوت أحرنوت، حيث باتت القضية الفلسطينية على مفترق طرق بين مسارين متناقضين، بينما ينتفض أبناؤها دفاعا عن المقدسات والثوابت الوطنية؛ ورغم احتفاء أنظمة التطبيع باتفاقياتها مع الاحتلال، فإن وزارة الشؤون الاستراتيجية الصهيونية قالت في أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن معظم الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي 90 بالمئة رافض لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. #التطبيع_خيانة #التطبيع_مرفوض.