النقب المحتل في الفكر والممارسة الصهيونية
سامي الشاعر
ترتكز النظرة الصهيونية لاحتلالها أرض فلسطين على مسألتين مهمتين هما الطرد والإحلال، وتلك نظرية صهيونية تستند إلى جانبين رئيسين؛ الفكر والممارسة، والمشروع الصهيوني في أصله استيطاني اعتمد في تأسيسه على الهجرات اليهودية التي جاءت عبر موجات بشرية من مختلف دول العالم وتم تجميعهم في نظامين استيطانيين الكيبوتس والموشاف، أحدهما يهتم بالعمل الزراعي مصدرا أساسيا للتدريب على العمل وتحقيق اقتصاد استيطاني يسهم في تعزيز مشاريع التوسع والسيطرة، وتولى جانب التنظير لفكرة طرد الفلسطينيين والاستيطان اليهودي على أرضهم جمهرة من الحاخامات والمفكرين الأوائل من جمعية أحباء صهيون، وشكلوا النواة الأولى للفكرة الأساسية للصهيونية، واستخدم أولئك الحاخامات الصحافة اليهودية في المهجر للترويج لذلك معتمدين على النصوص التوراتية المحرفة واستخدام التأثير الأيدلوجي والديني لذلك، ويمكن أن نلاحظ ذلك في افتتاحية صحيفة هامليتس الصادرة في أوديسا عام 1860 مقالا بعنوان ” إنقاذ شعب إسرائيل” يتحدث عما أسماه بالمشكلة اليهودية والبحث عن وطن وجاء فيه:” كل الشعوب تحت السماء لها أرض، ووطن، وجيل وراء جيل يتوارثون أرضهم، ويعيشون فيها من خلال دين وثقافة ولغة مشتركة، لكن (أبناء شعب إسرائيل) ليس لهم أرض، وبالتالي ليس لهم شرف أو كرامة أو احترام في الدول الأخرى”.
وكتبت صحيفة هامزراحي في 18 آب (أغسطس) عام 1918م، وكانت تصدر في روسيا مقالا بعنوان (أرض إسرائيل) وقالت فيه:” هناك أخبار من (أرض إسرائيل) عن تسليمها للعرب بعد انتهاء الحرب، وهذا الأمر يتم تنفيذه ببطء… وهنا نحن نرفض أن يتم هذا الأمر”. ومن المعلوم أن كتاب الصحف الصهيونية في التاريخ الحديث وبدايات القرن العشرين كانوا من الحاخامات والمفكرين، وبالنظر إلى الاستهداف الحاصل اليوم إلى منطقة النقب المحتل فإنها لا تخرج عن هذا السياق، وكما انطلق احتلال فلسطين بمخططات ومشاريع احتلالية تأخذ في الاعتبار التنفيذ فكرة وممارسة فإن النقب الفلسطيني المحتل داخل دائرة الاستيلاء والسيطرة من القيادات الصهيونية قديما ولم يتوقف حتى اليوم، و تشكل منطقة النقب ما نسبته 47% من مساحة فلسطين التاريخية، وتحتل الجزء الجنوبي منها، حيث تمتد من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين وحتى رفح ممتدة على طول الحدود مع سيناء، وتقدر أطول مسافة في النقب بنحو 190 كيلومترا، وأعرضها بنحو 80 كيلومترا، ويحدها شرقا خليج إيلات والبحر الميت، وغربا المسافة من رفح بغزة وحتى طابا المصرية، وتمتد شمالا على حدود قطاع غزة، وجبال الخليل إلى الشمال الغربي. ويقطنها أكثر 250 ألف نسمة كان تعدد السكان حتى عام 1948 قرابة مائة ألف نسمة، ومع احتلال النقب عام 1948م، عمد الكيان الصهيوني على تهجير سكانها وتوزعوا بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة و النقب و الأردن وجزء بالضفة المحتلة، وتبلغ المساحة الكلية للنقب 12800كم2 بواقع 13 مليون دونم، وأرضها بسطة وجزء جبلي ومساحات خضراء وحارة صيفا وشديدة البرد شتاء، وللنقب موقع جيوسياسي مهم ومن هنا بدأت الأطماع الصهيونية في هذه البقعة من الأرض الفلسطينية، وتمتد جذور السيطرة الاحتلالية على النقب منذ عام 1948م، في دراسة أعدها د. محمد دبابش أستاذ الجغرافيا بالجامعة الإسلامية عنونة ب: المخطط الاستراتيجي للكيان الصهيوني لتهويد النقب؛ تناول الحيل الصهيونية للسيطرة على النقب وتهويده عبر سلسلة قرارات والاستناد لقوانين الاحتلال البريطاني (1917-1948م) وذكر أن أول قانون اعتمدت عليه حكومات الاحتلال قانون أراضي الموات لعام 1921م، ويقصد بها غير المستصلحة ، والقانون الثاني الغابات لسنة 1926م، خول السلطة للسيطرة على الأرض كمحميات طبيعية أو غابات محمية، ومثال ذلك قرية بيت جن، وقانون تسوية الأراضي عام 1928م، وفي عام 1969 عدلت عليه ووضعت يدها على مساحات شاسعة من الأرض، إضافة إلى قانون الاستملاك للمنفعة العامة عام 1943م.
وصاحب فكرة السيطرة على النقب هو الشخص الأكثر ظهورا وأهمية في تاريخ الحركة الصهيونية ومشروع الاستيطان في فلسطين والرئيس الأول للكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون والذي دعا الشباب الصهيوني للاستيطان في النقب ووضعت مخططات لذلك تحت ذريعة التطوير ومنها مد خطوط الكهرباء والمياه تفريغ السكان الأصليين، واعتمدت الخطة على أن يصل عدد المستوطنين في النقب إلى مليون نسمة، ويقطنه اليوم زهاء 700 ألف، وتدحرجت ممارسات السيطرة على الأرض عبر سلسلة من القوانين والقرارات منذ عام 1967 وحتى يومنا هذا ومن تلك القوانين التي أشارت إليها الباحثة حنان أبو مصطفى في رسالة الماجستير بقسم التاريخ في الجامعة الإسلامية والتي منحت عام 2019م، قانون تعويض بدو النقب عام 1979م، وقانون البناء والتعديل في العام نفسه، وقانون امتلاك أراضي النقب عام 1980، وجرى خلاله إخلاء خمسة ألاف نسمة من السكان الفلسطينيين، ومن صور السيطرة ا يعرف بموضوع الخرائط ففي عام 1972م، طرحت خريطة الخمسة ملايين توزيع السكان عام 1948م، وتكون زيادة يهودية في النقب والجليل، والخطة الخماسية للسكان عام 1975م ولجنة إلبيك عام 1975م، وترتب على تلك القوانين والتي استمرت في الحكومات الصهيونية في إصدارها إلى مشاريع أمر واقع فبنيت المستوطنات وجرى التضييق على السكان في الحيلولة دون البناء واتباع سياسة هدم المنازل و التجريف للأراضي و في العشرية الثانية من القرن الحالي صدرت مخططات جديدة أبرزها برافر عام 2013م، في عهد رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، وتعتمد برافر على تهجير السكان واحلال المؤسسات الحيوية الصهيونية مكانها فالاحتلال يهدف إلى تحويل النقب لأكبر ساحة عمل عسكري للتدريب و معسكرات جيشه ومطاراته الحربية، ومصانع إنتاج السلاح، ولذلك يضعها ضمن فكر إستراتيجي لديه ومسألة أمنه القومي الذي يزعمه. أمام هذه الصورة من الممارسة الصهيونية العدائية للهيمنة والاستيلاء على الأرض يقف المواطن الفلسطيني في النقب أعزل من السلاح لكنه متسلحا بإرادته وحقه في الأرض وجذورها وهي فلسطينية عربية إسلامية خالصة ولذلك معركة النقب اليوم ليست لسكانها الفلسطينيين فحسب بل معركة الكل الفلسطيني وخلفه تقف شعوب الأمتين العربية والإسلامية، إن النقب مثل القدس، ولا فرق بينهما وإن إرادة المقاومة التي استطاعت أن تربط ساحة المعركة في حدودها الجغرافية بين غزة والضفة والقدس المحتلتين والداخل الفلسطيني عام 48 وما شاهدناه من التحام أهالي اللد ومحيطها من استبسال ودفاع عن الأقصى في وجه الهجمة الصهيونية يقف الفلسطيني اليوم أمام مشاريع التهويد في النقب.
بتصرف من شهاب