الحكم السديد في صحيح البخاري.
د. محمد طاهر انعم
دكتور في تاريخ الحضارات والأديان.
قيادي سلفي
سألني أحد الأصدقاء عن صحة ما في كتاب صحيح البخاري، فأجبته، وأحببت إيصال الفكرة لمن يريد المعرفة بدون تعصب.
البخاري كان عالما محدثا، واجتهد في جمع أصح الروايات، فتوفق في كثير منها وأخفق في بعضها.
ومن يقول أن كل ما في كتابه صحيح وثابت فهو متعصب، وكذلك من يقول أن كل ما في كتابه كذب أو أنه اخترع بعض الروايات من عنده.
ألف المحدث محمد بن اسماعيل البخاري (المتوفي سنة ٢٥٦ من الهجرة) عدة كتب، أشهرها كتاب (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه) والذي اشتهر باسم (صحيح البخاري).
وكتابه هذا ليس أول كتاب في جمع الأحاديث ولا الثاني ولا الثالث.
فقد سبقه عدد من المحدثين والأئمة في محاولة جمع الأحاديث، منهم الإمام مالك بن أنس في كتابه الموطأ، وأحمد بن حنبل في كتابه المسند، وزيد بن علي في كتابه المسند، وغيرهم الكثير ممن سبقوه.
والبخاري لم يأت بحديث جديد في كتابه (كما يزعم البعض أنه اخترع بعض الأحاديث) فكلها مما جاء في الكتب السابقة.
ولكنه حذف الكثير من الروايات التي يشك أنها مكذوبة، ومن المؤكد أنه أخفق في حذف بعضها وظن أنها صحيحة.
فمن أكثر من ٤٠ ألف رواية في كتاب مسند أحمد بن حنبل مثلا، لم يقبل البخاري سوي تسجيل ٨ الاف رواية، واعتبر معظم البقية غير مقبولة ومشكوكا فيها.
وكان منهج البخاري منهجا مقتصرا على السند (سلسلة الرواة) فقط، وهل هم من المشهورين بالصدق أو الكذابين، بينما كان الاهتمام بالمتن (نص الحديث) ضعيفا، فجاءت بعض الروايات مخالفة للقران أو لروايات أقوى منها وأصح.
جهد البخاري كان جهدا بشريا، وقد اجتهد كثيرا، وحاول أن يقدم كتابا تقل فيه الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
وربما توفق بنسبة ٧٥٪ وأخفق بنسبة ٢٥٪، بشكل تقريبي.
وابتليت الأمة بطرفين متعصبين، أحدهما يصر أنه كتاب مقدس، وكل ما فيه صحيح، وهذا باطل وتعصب.
وطرف آخر كأنه لا يريد أن يسمع شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكذب بكل شيء، ويزعم أن البخاري يهودي وكان يخترع الأحاديث من رأسه ويكتبها، وهذا جهل وتعصب.
والقاعدة أن القران الكريم هو المرجع الأساسي، فكل ما خالفه فهو مردود، وكذلك ما خالف الفطرة والمعلوم بالضرورة (دينا وعلما وحسا)، وكل ما لم يخالفهم فالمرجع فيه هو علم الحديث ومعرفة الرواة وصدقهم وانتماءاتهم وعدم تعصبهم لما يروونه من رواية، وغيرها من القواعد الحديثية المعروفة.
وكذلك الخبر في كتاب صحيح مسلم (وهو طالب البخاري) وغيره من الكتب السابقة واللاحقة.