هل التطبيع يجلب السلام للعرب أم يزيد حروبهم؟
ناجي شكري الظاظا
رغم أن العرب قد خاضوا أربعة حروب متتالية مع عدوهم “إسرائيل” في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1973، إلاّ أن مصر وهي أكبر الدول العربية رغم انتصارها في آخر تلك الحروب قد وقعت “اتفاقية كامب ديفد” للسلام أواخر 1978 برعاية الولايات المتحدة الأمريكية! تلى ذلك توقيع “معاهدة السلام” في 26 مارس 1979، والتي اشتملت على اعتراف مصر ب “إسرائيل” كدولة، وتبادلت معها السفارات والسفراء! وفي اليوم التالي للتوقيع أي في 27 مارس 1979 أعلن العرب جميعاًعن مقاطعة القاهرة، ووقف كل خطوط الطيران معها، بقرار من مجلس وزاري عربي طارئ في بغداد، وتم نقل مقر جامعة الدولة العربية لأول مرة من القاهرة إلى تونس.
ورغم تلك الخطوة الكبيرة من العرب ضد تطبيع مصر إلاّ أنه وبعد 3 سنوات فقط قد اعترف العرب ضمنياً بحق إسرائيل بالوجود على الأرض الفلسطينية، حتى حدود 1967 وليس 1948 في قمة الرباط بالمغرب عام 1982، وهو الذي ما زال قائماً في كل المواقف العربية، وصولاً إلى قمة بيروت 2002 والتي اشتملت على “المبادرة العربية للسلام”، التي جعلت من أقصى طموح الدولة الفلسطينية على حدود 1967 أن تكون العاصمة هي القدس الشرقية فقط! وهو ما أصبح -للأسف- في كل مخرجات القمم العربية وحتى الإسلامية بما فيها منظمة التعاون الإسلامي التي خصصت لأول مرة “القدس الشرقية” عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة! وهذا يعني ضمن بأن “القدس الغربية” هي عاصمة الاحتلال الإسرائيلي! عادت مصر إلى جامعة الدول العربية عام 1989 وعاد مقر الجامعة العربية إليها عام 1990، وذهب كثير من العرب إلى إسرائيل حبواً أو مشياً أو جرياً. بل إنه من أصل 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تعترف بـ “إسرائيل” سوى 28 دولة، منهم 15 أعضاء في الجامعة العربية و10 أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى كوريا الشمالية وبوتان وكوبا. أي أن 86% من دول العالم تعترف بهذا الكيان العنصري في مقابل 71% تعترف بفلسطين كدولة، أي 137 دولة (حتى أغسطس 2018م).
كل هذه الهرولة العربية المجانية للتطبيع ولا يزال العدو الإسرائيلي يرفض كل المشاريع العربية “للسلام” بل إنه لا يذكرها لا سلباً ولا إيجاباً، لأنه -كما أصبح واضحاً- لديه اتصالات تاريخية مع معظم الدول العربية وعلى مستويات متعددة. إن التطبيع بمعناه الصريح يشمل كل علاقة تنشأ مع الاحتلال الصهيوني تشرّع وجوده على أرض فلسطين، وحتى بحسب تعريف موقع حركة المقاطعة المعروف باسم BDS فإن التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، يجمع على نفس المنصة بين فلسطينيين أوعرب وإسرائيليين، أفراداً كانوا أم مؤسسات، ولا يستوفي الشرْطَيْن التاليَيْن: أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي. وأن يشكّل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك ضد نظام الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي.
كما لا يمكن حصر التطبيع مع العدو الصهيوني في شكل سياسي أو اقتصادي، فهو يتعدى ذلك إلى التطبيع الإعلامي والثقافي وحتى الأكاديمي والديني. لقد كانت دعاوي المطبعين في البداية أنهم يقومون بالتطبيع خدمة للقضية الفلسطينية، ثم تطور “الفكر التطبيعي” إلى القول بأن التطبيع هو اعتراف بالواقع واستجابة موضوعية لحقيقة وجود “دولة إسرائيل”! وهذا صريح في كل خطابات المطبعين منذ أول مطبع وهو الرئيس المصري “أنور السادات” 1978، وصولاً إلى “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة السوداني 2021.
ورغم كل ما قدمه العرب من تطبيع وخدمات سياسية واقتصادية وأمنية لصالح الاحتلال إلاّ أنهم لم يجنوا استقراراً سياسياً ولا تنمية اقتصادية ولا رفاهية اجتماعية، بل على العكس من ذلك إزدادت أزماتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فتقسمت الأرض على إثنيات وعرقيات ومذاهب سواء بشكل جغرافي أو سياسي.
ونقلت أموالهم لصالح وظائف لمواطني دول غربية، وبقيت الشعوب العربية في فقرها وحروبها الداخلية. ولقد قلنا بأن على العرب أن يدركوا أن التطبيع لا يمثل خطراً على القضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر حقيقي على شعوب المنطقة ومستقبل دولها؛ ف “إسرائيل” كيان استيطاني سرطاني قائم على التمييز العنصري في سلوكه السياسي والاقتصادي والأمني عوضاً عن الاجتماعي. فهل يدرك العرب ذلك قبل فوات الأوان.