تسوية أم استعداد للمواجهة؟
أحمد أبو زهري
يعيش الاحتلال الإسرائيلي “حالة ارتباك عميقة” حيال تعامله مع قطاع غزة، فهو يريد استعادة الردع، وفي الوقت ذاته هو معني بالهدوء، ولا يرغب باندلاع جولة جديدة من القتال، ويعلم تماما أن أيًّا من الخيارات سيكون له ثمن (سياسي، وأمني، وعسكري)، فإذا ما أراد السير في طريق إنجاح التفاهمات والذهاب لتسوية كبيرة مع قطاع غزة بوساطة مصرية وقطرية وأممية، فإن ذلك سيعد انتكاسة ورضوخًا أمام حركة حماس، وهزيمة جديدة وانكسارًا لحكومة نفتالي بينيت، وفشلًا ذريعًا لإستراتيجيته العسكرية.
ومن جهة أخرى، فإذا ما أراد العودة مجددا للتصعيد وتنصل من كل التفاهمات، فإن اعتبارات مهمة يجب أن تكون حاضرة وفي الحسبان، منها: أن الجناح المسلح لحركة حماس (كتائب القسام) ما زال يمتلك القوة ويجري الاستعدادات اللازمة على مدار الساعة، ويمكنه الدخول في مواجهة “أكثر ضراوة” إذا ما تلقى الإشارة من المستوى السياسي، وأن على هذه الحكومة أن تستعد لاستكمال لقاءاتها الداخلية في الأماكن المحصنة، وأن تعلن حالة الطوارئ في البلاد، وأن تخلي المدن الكبرى، وأن تنقل مستوطني الغلاف إلى الداخل، وأن تستدعي فرق الاحتياط، وأن تنشر مئات القبب الحديدية.
وأن تتهيأ (لمفاجآت كبرى) هذه المرة، لأن المعركة ربما تكون مختلفة كمًّا ونوعًا؛ الأمر الذي سيرتب أكبر تحدٍ أمام المستوى السياسي والأمني للاحتلال، فهو لا يحتمل سيناريوهات تُعرِّض قواته في البحر للاستهداف، ولا يملك القدرة على تحمل تكلفة اختطاف جنود آخرين، ولن يصمد أمام اقتحام مواقع إستراتيجية يتم فيها تصفية جنوده بصورة مهينة، وغيرها من المشاهد المؤلمة التي سيقف أمامها كل المرافق الحيوية في الكيان، مثل: المطارات، والموانئ، والمنشآت الاقتصادية، فضلا عن تعرض منشآت عسكرية إستراتيجية لمخاطر محتملة.
لأن المواجهة ربما تنتهي “بانتصار حركة حماس” وجناحها المسلح في فرض شروطها، ولن ينجح حينها الاحتلال في فرض شروطه أو تحقيق أي من أهدافه العسكرية، كما حدث في المعركة الأخيرة، ومن ثم سيكون لذلك انعكاسات خطِرة يمكن أن تمس القيادة الإسرائيلية الحالية وتهز أركانها أمام: “الجبهة الداخلية، وأحزاب المعارضة، والرأي العام”.
المتابع لما يحدث لهذا الكيان، الذي يتباهى دومًا بأنه قادر على ردع خصومه في المنطقة، لكونه يملك القوة الأولى والترسانة الأضخم ويفرض التفوق الأحادي في منطقة الشرق الأوسط دون منازع، الأمر الذي سيدفع بعض الأطراف في المنطقة والعالم إلى تغيير قناعاته بهذا الكيان، الذي لم يعد يتربع على (كرسي السيادة والزعامة) في المنطقة بعد أن مُرِّغ أنفه في جولة قتال أمام “قوة متواضعة وغير متكافئة” استطاعت تأديبه وردعه في أيام محدودة من القتال، وما زالت قادرة على تكرار المشهد ذاته.
لهذا فإن حكومة الاحتلال (تلهث وراء الهدوء)، لكنها غير قادرة على تقديم كل شيء في ظل المخاوف المتعاظمة التي تتزاحم في أجندتها، وفي الوقت ذاته تشعر بالحنق بل والقلق الشديد وهي ترى قوةً تتعاظم بالقرب منها ويستفزها كثيرا عمليات إطلاق الصواريخ تجاه البحر كلما وصلت التفاهمات إلى طريق مسدود، لأن ذلك يذكرها بأيام صعبة للغاية ركع فيها الكيان على ركبتيه وهو يصيح للعالم كي يتدخل لإيقاف حماس عن إطلاق الصواريخ، ولم تُغِنه ترسانته الضخمة، ولا جيشه الجرار في حسم المعركة بأي صورة، بعد أن تحول حارس الأسوار إلى هارب خلف الأسوار يبكي كالأطفال خشية من جنود حركة حماس وبقية فصائل المقاومة في غزة، وهو يحترف التبول اللا إرادي ويعجز عن توجيه بندقيته تجاه المقاتلين.
وفي النهاية، فإن ساعة الغضب لدى حركة حماس وبقية الفصائل تقترب شيئًا فشيئًا، وصبرها الإستراتيجي ربما أخذ في النفاد، ففي الأيام الأخيرة عُقِدت سلسلة مشاورات داخلية بين فصائل المقاومة لتقييم الواقع الحالي وقراءة مواقف الاحتلال وخطواته الأخيرة، خصوصًا في ظل استمرار الانتهاكات تجاه “الأسرى، والضفة، والقدس، والـ 48” وبقاء الحصار في القطاع، وتبع ذلك لقاءات هامة يجريها المستوى السياسي لحركة حماس مع قيادات الجهاز العسكري (كتائب القسام) للتباحث في الخطوات القادمة حال استمرار العدوان الإسرائيلي، كشف خلالها الجهاز العسكري عن استعداده للدخول في جولة من القتال لتأديب الاحتلال بشكل غير مسبوق إذا لم يوقف عدوانه ويستجِب لشروط المقاومة، وقد وصلت رسائل واضحة عبر الوسطاء أن سياسة حرق الوقت وإستراتيجية الإلهاء اللتين تمارسهما قيادة الاحتلال غير مقبولة ولن تمر مرور الكرام.
لأن المقاومة لديها مسؤولية وطنية كبيرة تجاه شعبنا وقضاياه المختلفة في كامل الجغرافيا الفلسطينية، ولن تقبل بمزيد من الأكاذيب والمناورات الإسرائيلية المكشوفة، وعليه: فإن مطالبها لن تتغير ولا يمكن الالتفاف عليها تحت أي ظرف، ومن أبرزها:
1- إعادة إعمار ما دمره الاحتلال بصورة عاجلة ودون إبطاء.
2- إنهاء الحصار البحري والبري والجوي عن قطاع غزة.
3- وقف كل أشكال العدوان في الضفة والقدس والـ 48.
4- وقف التدخل الإسرائيلي في الحياة السياسية وعدم فرض أي قيود أو عراقيل تجاه أي انتخابات مرتقبة.
5- التوقف الفوري عن الانتهاكات بحق الأسرى وتحسين ظروف اعتقالهم.
لذلك فإنه لا سبيل أمام قيادة العدو الإسرائيلي سوى الانصياع التام، لأن كلفة التهرب والمماطلة ستكون قاسية جدًّا وغير مسبوقة.