“الفلسطينيون الجدد” و”كيّ الوعي”
معن بشور
في بداية القرن الحادي والعشرين بدأ يتردد في الوطن العربي تعبير “العراق الجديد” عشية الحرب الأمريكية عليه وأحتلاله ، و “سورية الجديدة” عشية الحرب الكونية عليها وخلالها، و “السودان الجديد” عشية تقسيمه وفي أجواء الحصار عليه ، و “اليمن الجديد” و “ليبيا الجديدة” و “لبنان الجديد” حتى وصلنا عام 2005 ، لنسمع مصطلح “الفلسطينيون الجدد” يردده جنرال صهيو – امريكي، خريج جامعة هارفارد، وعامل في الديبلوماسية الأميركية في موسكو، ومشرف على تقسيم يوغوسلافيا ، وناشط في جيش الاحتلال الأمريكي في العراق ، حتى وصل الامر به الى المنسق الأميركي للعلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية عام 2005، ثم الى مشرف على تدريبات قوات الامن الفلسطينية وسط مفاهيم “الفلسطينيين الجدد” الذين تباهى الجنرال كيث دايتون “بصنعهم” في محاضرة له أمام “معهد واشنطن للشرق الأدنى”، الذي تموّله جماعة “الايباك” الصهيونية.
كان ” الفلسطيني الجديد” حسب مفهوم كيث دايتون هو الفلسطيني الذي لا يرى في المحتل الإسرائيلي عدواً له بل شريكاً، فيما يرى في الفلسطيني المقاوم والمعارض للاحتلال عدواً له ينبغي ملاحقته بكل الأساليب والوسائل…
وكان ” السلام” عند هذا “الفلسطيني الجديد” يعني تنازلاً عن القدس وحقّ العودة وجزء كبير من أراضي الضفة الغربية ، التي لا تشكّل أساساً أكثر من 23 % من أراضي فلسطين التاريخية…
وكان المقصود في “الجديد” هنا في فلسطين وخارجها أيضا الإنسلاخ عن الهوية الوطنية ، والإنتماء القومي، والإيمان الروحي الإسلامي – المسيحي، والجذور الحضارية للأمة، بحيث يتحول الوطن العربي إلى ساحة تتساكن فيها شعوب مفككّة متناحرة، وقبائل وطوائف ومذاهب حزبية وعقائدية وتقليدية متقاتلة، فلا يبقى في المنطقة إلاّ دولة الكيان الغاصب، دولة محتلة لأراضي فلسطينية وعربية، ودولة قائدة في الأقليم كله….
مصطلح “الفلسطينيون الجدد”، كرديفه مصطلح “كيّ الوعي” الذي تفتقت عليه عبقرية موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، وتبناه يهودا باراك، إبّان الإنتفاضة الثانية ، نجح في استغلال “البعض” الفلسطيني وفي إشعال فتن داخلية بين الفلسطينيين كانت دائماً تتسبب بإفشال العديد من انتفاضاتهم عشية قيام الكيان الصهيوني عان 1948، لا سيّما خلال الثورة الكبرى عام 1936، التي نجحت في مواجهة الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية ، لكنها لم تنجح في إخماد الصراعات المحلية بين عائلات وأحزاب فلسطينية بقيت آثارها تفتك في الجسد الفلسطيني لعقود.
و “الفلسطينيين الجدد” حسب دايتون ليسوا نوعاً واحداً من الفلسطينيين، بل هم متعددوا الانتماءات ، ففلسطينيو القدس غير فلسطينيي الضّفة، وفلسطينيو الضّفة غير فلسطينيي غزّة، وفلسطينيو الأرض المحتلة عام 1967 غير فلسطينيي الأرض المغتصبة عام 1948، وفلسطينيو الداخل غير فلسطينيي الشتات، وطبعاً الهدف من هذا كله تقسيم الشعب وإضعافه بعد تقسيم الأرض والاستيلاء عليها.
ولعل من إنجازات الملحمة الفلسطينية التي بدأت في القدس واحيائها والضفّة ومخيماتها ، والتي توجتها معركة “سيف القدس” من غزّة وإعطتها بعداً تاريخياً هبّة أبناء فلسطين المغتصبة عام 1948، هو أنها أسقطت مصطلحات “الفلسطينيون الجدد” و “كيّ الوعي” حيث تبين ان عقوداً من “الأسرلة” ، وسنوات من الإنقسام لم تنجح في إخماد وعي الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، بقضيتهم، ولا في تحويلهم الى جنس آخر حتى ولو وصفوه “بالجديد” .
وحين نادينا منذ الساعات الأولى للإنتصار في الملحمة الفلسطينية و “سيف القدس” بضرورة تحصين هذا الإنتصار ، كنّا ندرك ان الطريق الى تحرير الأرض في فلسطين أيضاً يقوم على معادلة ثلاثية هي ” مقاومة الإحتلال ، ووحدة الشعب، وحرية المواطن”، وان أحد أسرع السبل للتخلص من الإحتلال هو في التخلص من آثار هذا الإحتلال ومخططاته، وأبرزها مشروعه لإنشاء “فلسطينيين جدد” و “كيّ الوعي” ، مؤكدين أن كل ممارسة تصبّ في إشعال الفتن داخل فلسطين، ومحاولة أقصاء الرأي الآخر بالسجن او الاغتيال في شعب اثبت وعياً استثنائياً، إنما تخدم هذه المخططات.
“فالفلسطيني الجديد” اليوم هو ذلك الشاب المرابط في باحات الأقصى، والمعتصم في ساحات الشيخ جرّاح وبطن الهوى وجبال “بيتا”، والمنتفض في حواري المدن والمخيمات في الضفة الغربية، والمقاوم في انفاق غزّة وخنادقها، والمتمرد في شوارع المدن في الساحل الفلسطيني والجليل والمثلث والنقب، والمتضامن في مخيمات الشتات وتجمعاتهم، كما في رحاب الوطن العربي الكبير وأرجاء العالم .
و”العربي الجديد” اليوم هو العربي المقاوم للإحتلال والهيمنة والفساد والإستبداد والتطبيع على امتداد الوطن الكبير.