“ميدل إيست آي”: كيف تستخدم “إسرائيل” التضليل لنزع الشرعية عن القضية الفلسطينية
إن حرب الدعاية الإسرائيلية، التي انتشرت خلال العدوان الأخير على غزة، هي بند أساسي في المشروع الاستيطاني الاستعماري.
كتب البروفسور البريطاني مارك أوين جونز مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تناول فيها استخدام “إسرائيل” للمعلومات المضللة في حربها ضد الشعب الفلسطيني.
وقال الكاتب إنه خلال الأسبوعين الماضيين اللذين شهدا قتل الغارات الجوية الإسرائيلية ما لا يقل عن 243 فلسطينياً بينهم 66 طفلاً في غزة، كان المسؤولون الإسرائيليون يتصدرون حرباً أخرى: مشاركة محتوى مضلل ومخادع عن فلسطين، حيث تم تصميم جزء كبير منه لتصوير الفلسطينيين على أنهم عنيفون، غير نزيهين ومخادعين، أو لإضفاء الشرعية على الوحشية الإسرائيلية.
وأوضح أن الهجمات الإسرائيلية على غزة ترافقت مع معلومات مضللة وتضليل مستشرٍ. فالمعلومات المضللة هي الاستخدام المتعمد للخداع لتضليل الناس. وغالباً ما تكون المعلومات المضللة دعاية، أي استخدام المعلومات لإقناع الناس بمسار معين. وأضاف أنه قد يكون من الصعب إثبات النية، ولكن يمكن استنتاجها بشكل واقعي. فعلى سبيل المثال، ضلل المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي الكولونيل جوناثان كونريكوس العديد من المطبوعات الدولية البارزة كي تنشر أخباراً كاذبة. كانت نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال من بين المطبوعات الرائدة التي ذكرت بشكل غير صحيح أن الجيش الإسرائيلي كان يستعد لغزو بري لغزة.
بعد فترة وجيزة من نشر هذا التقرير، زعمت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه كان خداعاً متعمداً يهدف إلى إخراج حركة حماس إلى العلن لتسهيل الاستهداف. بالطبع، زعم كونريكوس أنه كان خطأً صريحاً ولكن بعد ذلك، سيقر بتعمد التضليل. فبصفته المتحدث الرئيسي باسم النظام الإسرائيلي، لا يمكنه أن يعترف للمؤسسات الإخبارية التي تعتمد عليه في الجانب الإسرائيلي من القصة بأنه يغذيهم بمعلومات مضللة. وعلى الرغم من هذا الخداع الواضح، لا تزال المؤسسات الإخبارية تطلب من كونريكوس للتعليق على الوضع.
تلطيخ سمعة حماس
وأشار الكاتب إلى أنه تم تصميم معلومات مضللة أخرى لتشويه سمعة حركة حماس كفصيل يستخدم دروعاً بشرية يمكنه مهاجمة “إسرائيل” من خلفها. وكثيراً ما يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي ذريعة استخدام “حماس” للدروع البشرية كدفاع قانوني عن قتله الجماعي للفلسطينيين غير المقاتلين.
ونشر المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أوفير جندلمان، أخيراً مقطع فيديو ظهر أنه يُظهر “حماس” تطلق صواريخ باتجاه “إسرائيل” من مناطق مدنية مكتظة بالسكان. لكن الفيديو، الذي أعيد تغريده ومشاركته مئات المرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، لم يكن حقيقياً. بل إن هذه اللقطات تعود لعام 2018، ومن المحتمل أنها صورت في سوريا أو ليبيا.
ويُزعم أن مقطع فيديو مشابهاً تمت مشاركته على نطاق واسع يُظهر “حماس” وهي تحرك الصواريخ في شارع مكتظ بالسكان، مع تعليق صوتي يقول: “مرة أخرى، نرى حماس تستخدم المدنيين كدرع لقتل اليهود مع العلم … أن إسرائيل لن تنتقم بسبب خطر إلحاق الأذى بأناس أبرياء”. تبين أن مقطع الفيديو يعود لعام 2018 في منطقة الجليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ومن الواضح أنه لا علاقة له بحركة حماس.
كما حاولت الدعاية الإسرائيلية اتهام الفلسطينيين بالمبالغة في تضخيم خسائرهم المدنية. فهم يعلمون جيداً أن الضحايا المدنيين يعززون الدعم الدولي للنضال الفلسطيني ويسلطون الضوء على وحشية الاحتلال الإسرائيلي.
كما شارك العديد من الأشخاص، بمن فيهم ناتاليا فاديف، وهي جندية احتياطي في الشرطة العسكرية الإسرائيلية، ويبلغ عدد متابعيها نحو مليون متابع، مقطع فيديو لجنازة وهمية ادعت أن الفلسطينيين كانوا يحاولون تزوير جنازة لإثارة التعاطف العام. الفيديو، الذي لم تتم إزالته بواسطة “تيك توك”، كان مقطع فيديو ساخراً غير ذي صلة أنشأه أردنيون.
وأوضح الباحث أن الكثير من المعلومات المضللة الأخرى غير واضحة المصدر، لكن الأهداف غالباً ما تكون واحدة وهي تصوير الفلسطينيين على أنهم عنيفون وغير نزيهين، من أجل إزالة التعاطف مع قضيتهم أو إضفاء الشرعية على ما يسمى بالضربات الانتقامية ضد غزة. وقد تضمنت إحدى هذه المعلومات المضللة رسالة كاذبة تم تداولها على تطبيق “واتسآب” زعمت أن عصابات فلسطينية كانت على وشك مهاجمة السكان اليهود في تل أبيب.
سلاح الكذب
وقال الكاتب: لماذا تستخدم “إسرائيل” المعلومات المضللة بشكل متحرّر؟
وأجاب قائلاً إن التضليل يصبح ضرورياً عندما يصبح من غير الممكن تقديم سرد صادق للأمور من دون الاعتراف بانتهاكات قواعد الأخلاق المقبولة عالمياً أو القانون الدولي.
وبالنظر إلى الطبيعة الفظيعة للدعاية المذكورة أعلاه، يمكن أن تبدو المعلومات المضللة وكأنها عبارة عن تعبير ملطف: مصطلح مهذب يستخدم لوصف حقيقة أكثر مرارة. قد يكون الكذب كسلاح أو عدم الصدق أكثر ملاءمة. في الواقع، يستخدم الأكاديمي مايكل بيترز عبارة “الحكم من خلال الكذب” لوصف التعميم الأحدث للأكاذيب.
ورأى الكاتب أن هذا المصطلح قد يكون مناسباً لوصف التضليل المنهجي للجمهور لأغراض تنفيذ قرارات سياسية غير شعبية، مثل تبرير دولة الفصل العنصري، أو التطهير العرقي للفلسطينيين. فعندما لا يمكن الدفاع عن المواقف غير الأخلاقية وغير النزيهة، يتم نشر الكذب.
وأضاف أنه كان مغرياً القول إن كلا الجانبين يستخدم المعلومات المضللة والخداع. وقد يكون الإدلاء بمثل هذا البيان صادقاً بطريقة ما، ولكنه خادع بطريقة أخرى. إن الإيحاء بأن كلا الجانبين يستخدمان نفس القدر من المعلومات المضللة يعني ضمناً أن قوة الخداع متساوية في كلا الجانبين. لكن “هذا التوازن والتكافؤ الزائفين ينفيان حقيقة أن “إسرائيل”، الدولة التي تحاول تصوير نفسها كقوة حضارية، تستخدم الخداع لمواصلة احتلالها”.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت