الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين خلال عام 2021
تتّفق رؤية التقدير الاستراتيجي الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية مع رؤية جهاز الشاباك الذي يدعم تقوية السلطة بما لا ينسجم مع رؤية المستوى السياسي.
أصدر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، قبل أيامٍ، التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي للعام 2021. ويُعتبر هذا المعهد من أهمّ المؤسسات التي تقدّم الرؤية والاستراتيجات للقيادة الصهيونية، كما يُعتبر التقدير من أهم المخرجات السنوية في بداية العام التي تصدر عن جهاتٍ صهيونيةٍ متعددة، وتقدّم فيه التحديات والمخاطر التي قد تواجه دولة العدو الصهيوني.
لا تختلف التهديدات والمخاطر التي يصنّفها العدو خلال العام 2021 عن العام الماضي أو حتى عن الأعوام السابقة، في ما يتعلق بقوى المقاومة في فلسطين أو لبنان، كما أنّ التهديد الإيراني ما زال حاضراً وبقوة، من قبل مُعِدّي التقديرات الاستراتيجية الصهيونية، خاصةً بعد الانسحاب الإيراني من الاتفاق النووي، ورفع وتيرة تخصيب اليورانيوم، ومواصلة جهودها في بناء قواعد عسكرية واستخبارية في سوريا.
على الصعيد الفلسطيني، يميّز التقدير – كالعادة- بين حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تدير قطاع غزة، وتبني فيه قوةً عسكرية تمثّل تهديداً متواصلاً للعدو الصهيوني، إلى جانب قوى المقاومة الفلسطينية في غزة، وبين السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية وتنسّق مع الأجهزة الأمنية لمنع أيّ نشاطٍ مقاوم، وتؤمن بالتسوية السياسية مع “إسرائيل”، وفق مخرجات السلام.
ينصّ التقدير على ضرورة العمل على وقف تعاظم القوى العسكرية لحركة حماس في القطاع، حتى لو لزم الأمر توجيه ضربةٍ عسكريةٍ للجناح العسكري لحركة حماس، فالعدو الصهيوني يعتبر استمرار المقاومة في غزة ومراكمة القوة تحدياً لها، خاصةً في ظلّ غياب رؤيةٍ إسرائيليةٍ للتعامل مع القطاع، مع تزايد المخاوف الصهيونية من أن أية مواجهة مع حماس في القطاع، ستعتمد من قبلها على تكتيك التركيز على مواقع محدّدة وإمطارها بعشرات الصواريخ، كما جرى في أيار/مايو من العام 2019.
يتعامل جيش العدو الصهيوني مع هذا الملف وفق سياسة قضم قوة الحركة العسكرية، عبر استغلال بعض الأحداث الفردية، والردّ باستهداف المقدّرات الاستراتيجية والحيويّة للمقاومة الفلسطينية، كما عمد رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي إلى استراتيجيةٍ قتالية تعتمد على قتل أكثر من نصف المقاتلين في أية مواجهةٍ واسعة؛ عبر استهداف مواقع تمركز عناصر المقاومة بالطائرات الحربية؛ لشلّ قدراتها التي تؤثّر على الجبهة الداخلية بصورةٍ مباشرة.
هذا التحدي باعتقادي لن ينتج عنه أيّ تغيير جوهري على السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة كشن عدوانٍ أو مواجهةٍ واسعة. وسيلجأ العدو إلى خيار التفاهمات وتقديم التسهيلات والتخفيف عن القطاع، وهي سياسةٌ مُتوافقٌ عليها بين القيادة السياسية والعسكرية، وتبقى الأحداث الميدانية وتطوراتها، بالإضافة إلى موقف قيادة المقاومة هي الفيصل في أيّ تغيير.
أما على صعيد السلطة الفلسطينية، فيرى التقدير أهمية دمج السلطة الفلسطينية في التعاون الإقليمي، وتقويتها كسلطةٍ مؤمنة بخيار التسوية. وتأتي هذه النظرة في سياق شعور دول الجوار الإسرائيلي الموقعة على اتفاقات بحالةٍ من التهميش من قبل “إسرائيل”، مقابل الانفتاح الواسع بين “إسرائيل” والمطبّعين الجدد. ثمة قناعةٍ لدى العديد من النخب السياسية والإعلاميين بأنّ دور مصر كبوابةٍ للتسوية والسلام في المنطقة يتراجع بصورةٍ ملحوظة لصالح المطبّعين الجدد.
تتّفق رؤية التقدير تجاه السلطة مع رؤية جهاز الشاباك الإسرائيلي الذي يدعم تقوية السلطة الفلسطينية، خشية انهيارها مما يؤدي إلى تصاعد قوى المقاومة. لكنّ هذا الاتفاق لا ينسجم مع المستوى السياسي، فهو لا يعترف بمحمود عباس كشريك سلام، كما يرى أنّ أيّ تعاونٍ مع السلطة في ملف التسوية يُضعف خططه الاستيطانية، ولا أعتقد بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً على السياسة الإسرائيلية، فالانتخابات القادمة إذا لم تفرز نتنياهو كرئيسٍ للحكومة، سيأتي من هو أكثر يمينيةً وتشدّداً منه باعتبار الضفة الغربية جزءاً من أرض “إسرائيل”.
لا تغيير جوهري على السياسة الإسرائيلية المتّبعة مع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، كما أن فرص السلام وتحريك ملف التسوية – حتى في ظلّ وجود إدارة بايدن التي تؤمن بانتهاج خط التسوية- ستكون شبه معدومة؛ في ظلّ تنامي اليمين الصهيوني ومحافظته على السلطة في “إسرائيل”.