التطبيع مغنم لإسرائيل ومغرم للبلدان العربية
د – طارق ليساوي
كاتب عربي
مع نهاية العام 2020 تداولت العديد من وسائل الإعلام و وسائط التواصل الإجتماعي قصاصات إخبارية تتحدث عن سرقة سياح إسرائيليين لبعض المناشف و الشوكات و غيرها من الأدوات الخاصة ببعض الفنادق في دبي، و الواقع أن الإعلام الإماراتي سكت عن الخوض في مثل هذه الأمور حتى لا يؤدي مشاعر الحليف و الوافد الجديد..فهنيئا للإمارات بضيوفها، و إن كان من الواجب على أهل البيت إكرام الضيف، فكان من باب أولى إعطاء الضيف كل ما يريد و عدم دفعه لسرقة ما رغب فيه؟! و لعل هذا التقصير من قبل الإمارتيين هو ما دفعهم إلى عدم إثارة هذا الموضوع الحرج، و الإمتناع عن تسريب هذه الأخبار المزعجة و المضرة بالتطبيع، و مصدر التسريب جاء من بعض المستثمرين الأجانب في مجال الفندقة بدبي، و الذين تنبهوا إلى نقص بعض الأدوات و الأشياء الصغيرة من الغرف بمجرد خروج السياح الإسرائيليين، و هو الأمر الذي دعاهم إلى التنبيه و التحذير من مثل هذه الممارسات الشاذة..
هذه القصاصات الإخبارية المضحكة ، تحمل في العمق ملامح مستقبل مظلم ينتظر البلدان العربية المطبعة مع هذا الكيان الاستيطاني الإحلالي، الذي لم يتورع عن إغتصاب وطن فلسطين من أهله، و نهب بيوت و أملاك الفلسطينيين عام 1948 و مابعدها، ذلك أن ” احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948 لم يكن مجرد عمل عسكري، تقني، جاء بمقتضيات الحرب، بل هو كما أصبح معروفًا، كان خطة منظمة لعملية نهب واسعة النطاق، تجاوزت احتلال الأرض نحو نهب كل ما يملكه المجتمع الفلسطيني، حتى على الصعيد الخاص، يتساوى هنا احتلال منزل، بنهب سجادة فارسية أو الاستيلاء على كرسي، أو سرقة مكتبة.. هجوم وصفه “فيرنر سيناتور” المدير العام للجامعة العبرية” بهجوم جراد على الميدان.. .[1]
هذا الهجوم الذي عانت منه فلسطين قبل نحو 7 عقود سوف يمتد في القادم من الأيام للبلدان العربية المطبعة، و صيغة الهجوم ستكون المطالبة بتعويض و استرداد ممتلكات اليهود في البلاد العربية قبل أن يهاجروا منها إلى أرض فلسطين ، فلسطين التي إغتصبوها بقوة الحديد و النار، و هجروا أهلها و نهبوا ممتلكاتهم و حقوقهم، كما لو أن أرض فلسطين كانت خاوية على عروشها، و لم يكن بها شعب عربي مسلم.. فهل ستفتح إتفاقيات التطبيع خزائن البلدان المطبعة لتمويل إسرائيل؟و هل ستحل البلدان العربية محل البلدان الغربية التي دفعت و لازالت تدفع تعويضات عن الأضرار التي تعرض لها اليهود في الغرب عامة، و في ألمانيا النازية خاصة إبان الحرب العالمية الثانية؟ و ما الغاية من توظيف ورقة الممتلكات اليهودية بالبلدان العربية و الإسلامية؟
أولا- الجدل الإسرائيلي حول ممتلكات اليهود بالبلدان العربية و الإسلامية من ” مبادرة السلام العربية ” للعام 2002 إلى إتفاقيات التطبيع للعام 2020 :
قبل تناسل إتفاقيات التطبيع بنحو سنتين تداولت وسائل الإعلام العربية و الدولية تقارير و تصريحات إسرائيلية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية ستطالب الدول العربية بالإعتذار وبرد ممتلكات “اللاجئين اليهود” قبل التوقيع على أي اتفاق سلام مع العرب[2]..و في هذا السياق، يقول الصهيوني “إيدي كوهين-” صاحب العبارة المشهورة ” السيسي صهيوني أكثر مني و منك”، و مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، و عضو ما يسمى “جمعية منظمات النازحين اليهود من البلدان العربية والإسلامية”-، أن:
” مبادرة السلام العربية بمثابة خطة سياسية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وهي مبادرة طرحتها “المملكة السعودية” في “قمة الجامعة العربية”، التي إنعقدت في آذار/مارس عام 2002. وتنص المبادرة على أن تقيم الدول العربية علاقات مع الدولة العبرية مقابل تنازلات إقليمية من جانب إسرائيل ” و بنظر ” كوهين” فإن المبادرة العربية دعت إلى تسوية ”قضية اللاجئين” و إيجاد حل عادل باتفاق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لكن المقصود بـ”اللاجئين”، في المبادرة السعودية، هم فقط “اللاجئون الفلسطينيون”، دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى “اللاجئين اليهود” الذين اضطروا للنزوح من الدول العربية في أعقاب ظهور “الحركة الصهيونية” وإقامة دولة “إسرائيل”.و يقول أن مبادرة السلام العربية لا تعترف بـ”معاناة اليهود”، الذين كانوا يعيشون في الدول العربية، ولا تتطرق إلى ممتلكاتهم المسلوبة، والتي تبلغ قيمتها اليوم وفقًا لتقديرات الخبراء أكثر من 400 مليار دولار. و على حد زعم “كوهين” فإن حكومات “العراق وسوريا ومصر وليبيا”، قد صادرت ونهبت الممتلكات العامة والخاصة للمواطنين اليهود في تلك الدول. لذا يجب على كل من يرغب في تبني “المبادرة السعودية” إدخال تعديلات جوهرية عليها، من أجل الإعتراف بمعاناة اليهود الذين نزحوا من الدول العربية، والإعتذار عن المذابح التي أُرتُكِبت في حقهم، إضافة إلى ضرورة تقديم التعويضات القانونية[3].
و أعاد ” كوهين” في سبتمبر 2020 التأكيد على ذات المطلب، بمناسبة مشاركته في برنامج قصارى القول”، على قناة “روسيا اليوم” و قد كشف عن تقرير أعدته لجنة سرية تم تأسيسها منذ 3 سنوات لإحصاء ممتلكات اليهود في الدول العربية، وقدمت تقريرها مؤخرا لحكومة الاحتلال، مشيرا إلى أن التقرير يتحدث عن أكثر من 200 مليار دولار، طالب بها الاحتلال الآن كتعويضات عن الممتلكات الخاصة، التي قال إن الأنظمة العربية قامت بمصادرتها[4].
فمنذ العام 2002، طرحت تل أبيب ما اعتبرته الحاجة لإجراء تقدير لممتلكات اليهود على غرار الإحصاء الذي أعده الفلسطينيون حول ممتلكاتهم في أرض فلسطين المحتلة، وعام 2010 سُن قانون يجري بموجبه تعويض اليهود المهاجرين من الدول العربية وإيران عن فقدان ممتلكاتهم، في كل مفاوضات مستقبلية، لكن تفاصيل هذه الممتلكات وموقعها وقيمتها لم تكن معروفة، ما دفع إلى المشروع السري، الذي من خلاله جرى إدخال ناشطين إلى مختلف الدول العربية في محاولة لحصر هذه الممتلكات، إضافة إلى نشاطات محلية ودولية لم يُكشف عنها. والبيانات المتعلقة بالممتلكات قُسّمت إلى الفئات التالية: الأراضي والعقارات في الريف، العقارات في المدن، قيمة المنشآت التجارية، فقدان الدخل والإيرادات المحتملة، الممتلكات المنقولة والممتلكات العامة ..
وبحسب البيانات الإسرائيلية فإن قيمة الأملاك التي خلفها اليهود في إيران تقدر بحوالى 31.3 مليار دولار، وفي ليبيا حوالى 6.7 مليار دولار، وما يقارب الـ 2.6 مليار دولار في اليمن، وفي سوريا حوالى 1.4 مليار دولار وفي عدن 700 مليون دولار[5]. و قد نشرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية “حداشوت” في شهر يناير 2019، تقريرا عن الممتلكات التي تركها 865 ألف يهودي في سبع دول عربية إضافة لإيران. وذكرت القناة في تقريرها أن الحكومة الإسرائيلية تستعد للمطالبة بمبلغ 250 مليار دولار تعويضا عن هذه الممتلكات من تلك الدول الإسلامية وذلك استباقا لأي تسوية أو تصفية للنزاع العربي الإسرائيلي [6].
وكان الرئيس الإسرائيلي “رؤوفين ريفلين” أول من طرح مسألة المهجرين اليهود من البلاد الإسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في كلمة عنوانها “أعيدوا لنا أموال اليهود” ألقاها بمناسبة الاحتفال لأول مرة بذكرى طرد اليهود من البلاد الإسلامية بعد تأسيس دولة إسرائيل. وكانت أعداد كبيرة من اليهود العرب وآخرين من بلدان إسلامية مثل إيران قد طردوا وهُجِّروا أو تركوا هذه البلاد بمحض إرادتهم إثر قيام دولة إسرائيل في العام [7]1948. وكانت منظمة تدعى ” العدالة لليهود من الدول العربية ” قد طرحت هذا الموضوع في بيان لها العام 2012 من القدس في ختام مؤتمر “العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية” وقدرت أعداد اليهود الذين غادروا الدول العربية بين عامي 1947 و1972 بما يقرب من 900 ألف يهودي. وذكرت هذه المنظمة أسماء عشر دول إسلامية أتى منها هؤلاء “اللاجئون اليهود”، ومنذ عام 2017 نشطت جهات إسرائيلية عدة لتسجيل الممتلكات التي تركها اليهود في الدول العربية. ووفق بيانات إسرائيلية، فقد جرى تعبئة 14 ألف نموذج، من قبل وزارة القضاء. وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد تحملت مسؤولية جوانب كثيرة في هذه القضية، وأعلنت عن حملة واسعة تحت اسم “أنا لاجئ يهودي”، بهدف حصر تعويضات اليهود من الدول العربية. وخلال الحملة جرى دعوة جميع اليهود، الذين قَدِموا من الدول العربية، إلى إعداد شهادات توثيقية ومستندات عن حياتهم في الدول العربية قبل المجيء إلى إسرائيل، ونشرها على صفحة “فيسبوك” التابعة للوزارة[8].
ثانيا- ما الغاية من تحريك ملف الممتلكات اليهودية؟
ملف ممتلكات اليهود الذين هاجروا من البلاد العربية و الإسلامية، يعد ورقة ضغط و ابتزاز للبلاد العربية من أجل الخضوع للإملاءات الصهيونية و التطبيع مع هذا العدو الغاصب، و آلية مستقبلية لنهب الثروات العربية و الإسلامية، خاصة و أن الرواية الصهيونية تصور اليهود المهاجرين من البلاد العربية و الإسلامية قد تم طردهم بالقوة، وتركوا أموالهم وممتلكاتهم ليس بمحض إرادتهم، و هي بذلك تضعهم في نفس خانة اللاجئين الفلسطينيين..، و الغاية من هذه الدعاية و التحريف للحقائق التاريخية، تضييع حقوق الفلسطينيين في وطنهم و الذين تم تحويلهم إلى لاجئين في مختلف بلدان العالم، وكذلك اليهود تركوا أملاكهم في البلدان العربية و الإسلامية…هناك فعلا أملاك فعلية لليهود بالكثير من البلدان العربية و منها المغرب ففي أغلب المدن المغربية يوجد حي الملاح و كان خاصا باليهود، و هجرتهم إلى إسرائيل كانت بمحض إرادتهم في أغلب الأحيان، بل إن الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية هما اللتان ساهمتا في التهجير القسري لليهود من الدول العربية، وإقناعهم بأن وجودهم في هذه الدولة كما حصل في مصر والعراق خطر على حياتهم… أما اليهود فقد كانوا يعيشون قبل قيام إسرائيل في سلام ووئام في أغلب البلاد العربية و الإسلامية و لم يثبت عبر التاريخ الإسلامي الذي يمتد لنحو 14 قرنا أنهم تعرضوا للإبادة أو التهجير، بل كانت البلدان العربية و الإسلامية ملاذا لهم من محاكم التفتيش في إسبانيا ، و من حملات الإبادة و التهجير التي شنها الأوربيين على الجاليات اليهودية…
و قد شكل وعد بلفور نقطة تحول مفصلية في التعاطي مع اليهود بالبلاد العربية و الإسلامية ،فهذا الوعد وثق لتحالف بنيوي بين الجماعات اليهودية والحضارة الغربية حيث قامت الزعامة الصهيونية بدور الوسيط الحديث، فعرضت تهجير فائض أوربا من اليهود إلى فلسطين تخلُّصاً منهم، ولتأسيس قاعدة للاستعمار الغربي، على أن يقوم الغرب بحمايتهم في المقابل. وقد قبل الغرب هذه الرؤية، وتم توقيع “وعد بلفور”، حيث يقوم اليهود تحت زعامة الحركة الصهيونية بتصريف أمورهم الدينية باستقلال كامل، وتصريف أمورهم الإدارية والسياسية المحلية في اُلمستوطَن الصهيوني، على أن يتحرك الجميع في إطار المصالح الإمبريالية الغربية[9]…و سنحاول في مقال موالي إن شاء الله التوسع أكثر في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.. و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون …
أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..
[1] – أحمد مصطفى جابر “الاستيلاء على فلسطين تقرير نهب الممتلكات الفلسطينية عام 48: كالجراد نهب اليهود البيوت من الخيط إلى الثلاجة دون ترك المكتبة” ، جريدة الهدف 06 أكتوبر 2020 رابط المقال :
https://hadfnews.ps/post/73205/%D9%86%D9%87%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%AA%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA-
[2] – إيدي كوهين ” لن نترك الممتلكات اليهودية التي نهبتها الأنظمة العربية !” صحيفة إسرائيل اليوم ، ترجمة سعد عبد العزيز الأربعاء 28 تشرين ثاني/نوفمبر 2018، منشور بموقع كتابات رابط المقال : https://kitabat.com/news/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84
[3] – نفس المصدر.
[4] – حسن سلمان “مستشار نتنياهو يطالب العرب بـ 200 مليار دولار كتعويضات لـ”النازحين اليهود” – (تغريدات وفيديو)”، جريدة القدس العربي، 22 – سبتمبر – 2020 ، رابط الخبر:
https://www.alquds.co.uk/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88
[5] – أمال شحادة، “مشروع إسرائيلي سري يحصر أملاك اليهود في الدول العربية ،الهدف منه إلغاء حق عودة الفلسطينيين”، الأندبندنت عربي 18 ديسمبر 2019 رابط المقال:
https://www.independentarabia.com/node/79786/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%
[6] – حسين عمارة ، إسرائيل تعتزم مطالبة دول عربية بمبلغ 250 مليار دولار تعويضا عن ممتلكات اليهود المهجرين، فرانس 24، نشر في 07/01/2019، رابط الخبر : https://www.google.com/amp/s/amp.france24.com/ar/20190107%25D8%25A5%25D8%
[7]– نفس المصدر.
[8]– انظر أيضا : “استعدادا لـ “صفقة القرن”.. المؤسسة الإسرائيلية تحدد ممتلكات اليهود في الدول العربية”، جريدة مواطني 48، 06/01/2019، رابط الخبر : https://www.mawteni48.com/archives/61136
[9] – للتوسع انظر الدكتور عبد الوهاب المسيري،” موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية”، المجلد الرابع “الجماعات اليهودية.. تواريخ”..