السلفيون في اليمن ..قراءة في أبعاد وحيثيات الانقسام
المنهاج نت –
كتب / محمد طاهر أنعم – عضو الهيئة العليا لحزب الرشاد السلفي
السلفيون في اليمن عشرات الالاف يتوزعون على تيارين رئيسين.
السلفية المتشددة، وفيها جماعتان، جماعة الحجوري، وجماعة محمد الإمام.
وكلتاهما جماعتان كبيرتان، ينتمي لكل منهما الآلاف من الاشخاص في كل محافظات اليمن، ولدى كل منهما عشرات المساجد والمراكز التعليمية باسم دور الحديث وغيرها، في كثير من المدن والقرى والارياف.
والجماعتان تعيشان قطيعة عميقة في التواصل بين افرادهما ومراكزهما لأسباب تتعلق بالانشقاق القيادي بين الشيخ يحيى الحجوري (رئيس مركز دماج بصعدة سابقا، والمقيم في مكة حاليا) وبين الشيخ عبدالرحمن العدني (رئيس مركز الفيوش بلحج سابقا، والذي تم اغتياله في عدن قبل سنة تقريبا) وحلفائه من المشايخ مثل محمد الامام في ذمار ومحمد عبدالوهاب في الحديدة وغيرهم.
وهما امتداد لما يسمى التيار السلفي الجامي في السعودية، ويتقاربان كثيرا في فكرهما، برفض الديمقراطية والاحزاب والجمعيات الخيرية الرسمية والجماعات الاسلامية.
ولديهم عداء قوي للاحزاب السياسية الايدولوجية مثل الاشتراكي والبعث والناصري، والجماعات الدينية مثل الاخوان المسلمين والصوفية والشيعة والقاعدة وحتى الجماعات والتيارات السلفية الاخرى.
يعيشون حالة انغلاق فكري واجتماعي قوي، وكأنهم يعيشون في القرون الماضية، ولكنهم يتميزون بالصدق والعبادة وعدم الخبث السياسي الموجود عند جماعات دينية اخرى.
في الموقف السياسي اليمني الحالي تميز هذا التيار السلفي بالانقسام.
ففي حين ذهبت جماعة محمد الامام صاحب مركز معبر في ذمار لعقد اتفاق تعايش مع انصار الله انعكس على كافة مراكزهم في الشمال، ذهب اصحاب نفس التيار في الجنوب وتعز للحياد وعدم التدخل في هذه الصراعات السياسية ورفض القتال.
أما جماعة الحجوري فبعد استغلالهم في صراع دماج قبل سنوات عن طريق السعودية وعلي محسن وحسين الاحمر، فقد حصل لهم انقسام بعد انتهاء المشكلة.
فقد تناقل معظم اتباعه تصريحات للشيخ يحيى الحجوري بعد وصوله صنعاء انه تم استغلالهم سياسيا، وكأنه كان يشير للاصلاح وهادي، ولذلك قرر جزء من الجماعة اعتزال اي مشاركة لاحقا، مثل اصحاب مسجد السنة في سعوان بصنعاء ومساجد ومراكز متعددة، وحتى في تعز والجنوب.
ولكن جزءا آخر من هذه الجماعة اخترقتهم الاستخبارات السعودية ثم الاماراتية لتشكيل قوى تقاتل ضد الدولة بداية ثم ضد الاصلاح لاحقا، وهم المتمثلون في جماعتي ابو العباس في تعز وهاني بن بريك في عدن، مع ملاحظة ان ابن بريك هو من التيار المتشدد نفسه لكنه لم يكن ينتمي لأي الجماعتين سابقا بل متمردا عليهما.
كل العمل والاختراقات في هذا التيار هو للسعودية والامارات فقط، وصارت الامارات مؤخرا هي من تحاول توجيه افراد هذا التيار للعمل العسكري المسلح، عن طريق ابن بريك وابو العباس.
والاستخبارات السعودية تستمر في الاختراق الناعم بالتوجيه الفكري ضد الاخوان المسلمين والشيعة والصوفية وتيار قطر السلفي، عن طريق المطبوعات والمواقع الفكرية والاموال، وتوجيهات مشايخ الدين السعوديين المرتبطين بالمخابرات السعودية.
ونلاحظ ان العمل الاماراتي الاستخباراتي ينشط في هذا التيار في دول اخرى مثل ليبيا، والتي يقاتل فيها التيار السلفي الجامي في صف حلفاء الامارات هناك.
والتيار السلفي المتشدد هذا كان اختراقه محتكرا على المخابرات السعودية لعقود، في اليمن والخليج ومصر والسودان وليبيا وغيرها من الدول، ونلاحظ التدخل الاستخباراتي الاماراتي حيث يحتاجون توظيفه للقتال، ونظن انه بتنسيق كامل مع السعوديين.
وهذا بخلاف التيار السلفي الثاني الذي يتنازع الاختراق عليه كل من السعودية وقطر كما سيأتي.
السلفية المعتدلة في اليمن
وتتوزع على ثلاث جماعات: جماعة الاحسان، وجماعة الحكمة، وجماعة ابو الحسن المصري المأربي.
وهذه الجماعات تتميز -خلافا للسلفية المتشددة- بقبول العمل الديمقراطي والمشاركة في الحياة السياسية، وتكوين الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وتشكيل الجماعات الاسلامية الدعوية المنظمة.
وفيها تقارب في الفكر والطروحات، وعامة التنوع فيها هو تنوع بسبب اختلاف الممول والجهة الداعمة (المخترقة).
جماعة الاحسان (والتي تشارك بوضوح في حزب الرشاد) عامة تمويلها قطري، ولديها تشكيل تنظيمي علني اسمه ائتلاف الاحسان الاسلامي، وجمعيات خيرية متعددة ابرزها جمعية الاحسان الخيرية، ادارتها في صنعاء ولديها اداراتان عامتان في عدن وحضرموت، وفروع في عدة محافظات اخرى.
وجماعة الحكمة (والتي اسست حزب السلم والتنمية) عامة تمويلها كويتي عن طريق مؤسسة اجتماعية كويتية مخترقة من الاستخبارات السعودية بشكل كبير هي جمعية احياء التراث الاسلامي، وللجماعة مسمى تنظيمي علني في اليمن هو جماعة الحكمة الدعوية، ولديها جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، وادارتها في تعز ولديها فروع في عدد من محافظات الجمهورية مثل صنعاء والحديدة وإب وعدن والمكلا.
وجماعة ابو الحسن هي جماعة سلفية صغيرة، دعمها وارتباطها بالاستخبارات السعودية بشكل واضح، وعلاقات زعيمها ابو الحسن -المصري الاصل المأربي الاقامة- مع وزير الداخلية السعودي الحالي والسابق معلنة، يشارك افراد منها مع حزب الرشاد في الشئون السياسية بتنسيق رسمي، وتشارك الجماعة مع جماعة الحكمة في الشئون الدعوية.
قبل ٢٠٠٧ كانت الاستخبارات السعودية تحتكر اختراق جميع جماعات التيار السلفي المعتدل الثلاث، عن طريق تمويل جهات خيرية وافراد في الرياض وجدة والدمام وغيرها لتلك الجماعات، مع زيارات متكررة وهبات كبيرة وخاصة للقيادات الدينية والادارية لتلك الجماعات، وتوزيع كتب ومنشورات للفكر الوهابي وتزكية حكام ال سعود.
ولكن تركيبة بنيوية فكرية كانت تقاوم هذه التدخلات الاستخباراتية السعودية، وهي الافكار القطبية التي كانت بعض قيادات التيار من اليمنيين تأتي من السعودية محملة بها من محاضن لجماعات سرية معارضة للنظام داخل المملكة.
وقد استقر وضع جماعة الاحسان على الفكر القطبي المتشدد في تكفير الانظمة والدول والجيوش العربية والامن، بينما نحت جماعة الحكمة باتجاه متباعد عن هذا الفكر.
وبعد ٢٠٠٧ دخلت قطر بقوة لمحاولة اختراق الجماعات السلفية في اليمن وفي دول اخرى، بناء على صراع النفوذ المتفاقم بينها وبين النظام السعودي.
فوجهت عدة مؤسسات خيرية فيها -في مقدمتها مؤسسة عيد ال ثاني الخيرية- لارسال دعم كبير جدا للجمعيات الخيرية في اليمن، وتفريخ جمعيات ومؤسسات اخرى وجديدة.
وبدأت تكون رأيا وجيوبا سلفية رافضة للسعودية داخل التيار السلفي المعتدل، ودعمت الفكر القطبي المعادي لال سعود وخاصة في جماعة الاحسان، واغدقت الاموال على القيادات الدينية والادارية في تلك الجماعة، واستقطبت ابناء واقارب بعض تلك القيادات للعمل في قطر، ووفرت لكثير من ابنائهم منحا دراسية في دول متعددة وجامعات اخوانية بالتحديد في ماليزيا والسودان وتركيا!
وبعد ٢٠١١ جاءت فرصة كبيرة لقطر لاختراق واسع للسلفيين في اليمن، وذلك عن طريق انشاء حزب الرشاد، وهو حزب قطري التمويل بشكل شبه كامل عن طريق رجل قطر في السلفية المعتدلة في اليمن عبدالوهاب الحميقاني، وهو شخصية مستقلة لم تكن تنتمي لأي من الجماعات السلفية الثلاث سابقا.
وقد استقطب الرشاد جزءا كبيرا من جماعة الاحسان ورفض جزء اخر في نفس الجماعة الانضمام اليه، وحصل صراع وانفسام داخلي، أدى لدعوة المخابرات القطرية لرموز السلفية القطبية في السعودية ومصر وغيرها من الدول لعقد مؤتمر شهير في الدوحة في ٢٠١٣ لتشجيع اقامة الاحزاب السلفية ومغادرة مربع الفكر القطبي المتشدد الرافض للاحزاب والعمل الديمقراطي.
كان حزب الرشاد السلفي حزبا مواليا لقطر ومعاديا للنظام السعودي بشكل واضح، ولكن المرتبطين بقطر فيه كانوا يخفون بحرص اي دعم مالي قطري للحزب حتى على اعضاء الهيئة العليا والمؤسسين للحزب، وكنت منهم.
وكان هذا الامر مدار اول صدام داخلي متكرر.
ولاحقا ومع التقارب القطري السعودي بدأت قيادات نافذة في الحزب بالتنفيذ لأجندة طائفية سعودية متشددة، ثم الانسياق مع المشروع السعودي بشكل اكبر فأكبر شيئا فشيئا، حتى وصلت لتأييد العدوان السعودي علنا وقت اعلانه والانحياز للسعودية طوال الفترة الماضية، والى وقت اعلان الشيخ عبدالوهاب الحميقاني في قائمة الارهاب السعوإماراتية، والتي جعلت ما تبقى من قيادة للرشاد الموالية للعدوان في حيص بيص.
اما حزب السلم والتنمية التابع للحكمة، وهو حزب صغير في طور النشأة فقد ارتمت قياداته سريعا في احضان العدوان السعودي بمجرد اعلانه، وفي ظنهم ان شهرين او ثلاثة كفيلة بدخول ال سعود لصنعاء وتتويجهم في مناصب كبرى.
كما ان الافق المسدود لتلك القيادات تنظيميا وماليا وقد كانوا على وشك اغلاق الحزب قبل العدوان للعجز عن نفقاته، دفعهم لهذا الارتماء المخزي في احضان ال سعود.
وسبب ذلك العجز هو رفض جزء من قيادة الحزب حينها لعرض استخباري سعودي باتخاذ موقف مؤيد للسيسي في مصر، مما اغضب الاستخبارات السعودية ودفعت رجلها في جماعة الحكمة الشيخ عبدالعزيز الدبعي -رئيس مجلس ادارة جمعية الحكمة الخيرية سابقا- لقطع كامل الدعم عنهم تأديبيا، مما ادى لعجز كامل عندهم حتى من دفع ايجار المبنى ورواتب العاملين.
ويبدو ان الهدف من هذه العقوبة القاسية هو ان يعلموا انهم لا شيء بدون مال ال سعود، وهذا ما يبدو انه نفع معهم لاحقا وقت العدوان للاسف الشديد.
اليوم ما تزال هناك قطاعات شبابية واسعة في هذه الجماعات باليمن تنظر باشمئزاز الى هذه المواقف النفعية السلبية للقيادات المرتمية في احضان العدوان، وكيف انها احتكرت لنفسها المال والإقامة في الخارج والمنح لأبنائهم مقابل بيع قضية اليمن، بل وبيع شباب الجماعة انفسهم ليرموهم لمصير سلبي بدون اي اهتمام سوى المصلحة الشخصية الأنانية!