صلاة المطبعين ونبوءة التوراة!
بقلم – شرحبيل الغريب
كاتب فلسطيني
تكرار زيارات الوفود الإماراتية، بعد التطبيع مع الاحتلال، إلى المسجد الأقصى ليس عبثاً. هي زيارات مخطط لها بشكل جيد، ويهدف الاحتلال من خلالها للترويج بين الشعوب المطبعة، من أجل تسيير زيارات مستمرة إلى المسجد الأقصى لمن يرغب من العرب.
لم يكن الوفد الإماراتي الذي زار المسجد الأقصى المبارك في الخامس عشر من الشهر الجاري أول الوفود الخليجية التي تزور المسجد الأقصى المبارك، لكن الملاحظ هو تكرار هذه الزيارات خلال أيام قليلة، إذ تسلل وفد تطبيعي إماراتي آخر إلى المسجد الأقصى المُبارك يوم الأحد، أي بعد مرور ثلاثة أيام على الفعلة الأولى، في حادثة تكررت مرتين خلال أسبوع.
هذه الوفود، كما نقلت مصادر مقدسية، دخلت المسجد تحت حماية مباشرة ومشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، خوفاً من أن يكون مصيرها كمصير المطبع السعودي الذي استقبل بالأحذية والبصاق خلال زيارته إلى المسجد الأقصى قبل فترة وجيزة. وقد سلكت طريقاً تسيطر عليه قوات الاحتلال بشكل كامل.
وقيل إن الوفد دخل إلى باب المغاربة وصولاً إلى المسجد الأقصى تحت حماية إسرائيلية، في مشهد يشبه اقتحام المستوطنين الصهاينة لباحات المسجد الأقصى بحماية إسرائيلية، في خطوة لاقت رفضاً فلسطينياً كبيراً وواسعاً.
نُفذت هذه الزيارات في وقت أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن مخطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية ومصادرة آلاف الدونمات في الأغوار، في تنفيذ واضح لمخطط الضم الإسرائيلي وإحكام السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، لتكريس الاحتلال وترسيخه فيها، في وقت يُحرم الفلسطينيون من أداء صلاة الجمعة للأسبوع الرابع على التوالي في المسجد الأقصى.
من الواضح أن تكرار زيارات الوفود الإماراتية بهذه الطريقة ليس عبثاً. في تقديري، إنها زيارات مخطط لها بشكل جيد، إذ يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلالها إلى الترويج لها بين الشعوب المطبعة، وبضوء أخضر إسرائيلي، لتصبح زيارات مسيّرة إلى المسجد الأقصى لمن يرغب من العرب، مع توفير الحماية الإسرائيلية اللازمة، كمدخل للتطبيع مع الشعوب مباشرة. هذا الأمر بحد ذاته أخطر من التطبيع مع الأنظمة الرسمية، مع الإقرار بخطورة التطبيع الرسمي وتداعياته على القضية الفلسطينية.
التطبيع مع الشعوب فيه كيّ للوعي العربي، وتزوير للتاريخ، وفرض أمر واقع جديد تجاه المسجد الأقصى المبارك. كما أن إدخال الوفود من باب المغاربة، الجهة التابعة لحائط البراق، يهدف بالدرجة الأولى إلى تزوير الواقع، وإظهار حائط البراق وباب المغاربة كحق للصهاينة فقط أمام مطبعين عرب يسهلون للاحتلال مخططاته.
الترحيب بالمصلين العرب يجب أن يكون من بوابة فلسطين، وفلسطين فقط، باعتباره دعماً حقيقياً للقضية الفلسطينية وعروبة القدس ومكانتها بين المسلمين. أما مثل هذه الزيارات التي تنظم من بوابة الاحتلال، فهي دعم مباشر للاحتلال وتطبيع معه، واعتداء مباشر على الحقوق الفلسطينية.
هذه الزيارات لا تُنظّم عبثاً، ذلك أن وراءها أهداف أخرى، ففي الخامس عشر من أيلول/سبتمبر من العام الجاري، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تقريراً دعت فيه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى اصطحاب رئيس الوفد الإماراتي الذي سيزور تل أبيب، أو دعوة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد واصطحابه لأداء صلاة جماعية مشتركة في المسجد الأقصى، تحقيقاً لنبوءة توراتية تقول وفق “جيروزاليم بوست”: “الهيكل سيصبح بيتاً للصلاة لجميع الأمم في آخر الزمان، وفي المستقبل، وسيطلق عليه بيت صلاة لجميع الأمم”. وبالتالي يمكن للرجلين، أي نتنياهو ومحمد بن زايد، الصلاة من أجل السلام والازدهار والاستقرار في المنطقة، كل بحسب ديانته.
وتقول الصحيفة: “ربما يكون من الحكمة تحقيق هذه النبوءة بالسماح لليهود والمسلمين بالصلاة في الحرم القدسي بتناغم وتوافق، من دون أن يدوس أحدهم على حقوق الآخر وحرياته”.
في تقديري، ما حدث على مدار أيام قليلة مضت من زيارات منظمة لوفود إماراتية هو مؤشر وعمل متقدم لتهيئة الظروف والمناخ لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك، عنوانه السيطرة الإسرائيلية الكاملة، للوصول إلى مثل هذه اللحظة التي تتحدث عنها الصحيفة.
أخيراً، إن تطبيق هذا المقترح يمثل خيانة كبيرة لفلسطين والمسجد الأقصى، لكن التطبيع مع “إسرائيل” الذي أخذ سبعة أشكال حتى اللحظة، وفق تصريح نتنياهو، أو تسيير مثل هذه الزيارات، قد يجعله طبيعياً، فهل يحقق المطبعون نبوءة التوراة، بعد أن حققوا مصالح نتنياهو ومطامعه الكبرى؟!
لا أهلاً ولا سهلاً بصهاينة العرب في المسجد الأقصى