المنامة وُرِّطت في اتفاق لاناقة لها فيه ولاجمل سوى سواد الوجه
بقلم – د. رعد هادي جبارة
توقف المراقبون السياسيون _والكاتب أحدهم_ عند القرار الذي اتخذته الحكومة البحرينية بالانفتاح على النفوذ الصهيوني وتساءلوا:
ماالذي دعا البحرين للتورط في التوقيع على اتفاق سلام مع دويلة “اسرائيل” الغاصبة للقدس؟
وهل كانت المنامة أساساً في حالة حرب ضد تل أبيب فجنحت للسلم؟
من الناحية الاستراتيجيةو العسكرية؛ لا تعتبر البحرين ذات جيش جرار يمكن أن يحرر فلسطين أو يهدد الكيان الإسرائيلي اللامشروع، و هي ليست بمحاذاة فلسطين المحتلة ولا قرب حدودها الجغرافية ولا هي عضوة في دول المواجهة وجبهة التحدي للكيان الغاصب للقدس.ولذلك فإن النتن ياهو وبقية القيادات الصهيونية لا يؤرقهم كون حكومة البحرين من الدول غير الموقعة على اتفاق رسمي معها. والمنامة وُرِّطت في اتفاق لا ناقة لها فيه ولاجمل سوى سواد الوجه!!
الموضوع برمته أن التوقيع على تلك الاوراق السوداء في البيت الأسود كان ينطوي على (خدمة) و(توقع) أو (مطمع) .
لنبدأ ب (الخدمة) ؛ فالرئيس الأمريكي وهو مقبل على خوض انتخابات الرئاسة وجد نفسه خالي الوفاض من أوراق قوة وإنجازات حقيقية يواجه به خصمه ومنافسه جو بايدن في ٣ نوفمبر/تشرين الثاني ويباهي بها ناخبيه ويبشر بها مؤيديه لكسب أصوات كافية تؤهله للبقاء في المكتب البيضاوي.
وأراد من حلفائه أن يقدموا له خدمة إعلانية وانتخابية، وبممارسة ضغط بسيط على حكومات تابعة له و رهن إشارته استطاع أن يستحصل منها على الموافقة السريعة بتوقيع اتفاق مع النتن ياهو وهي خدمة له شخصياً عسى أن تنفعه في الانتخابات، وخدمة للكيان الغاصب والنتن ياهو لكي يوعزوا للوبي الاسرائيلي (آيباك) كي يقدموا الدعم و المساعدة لترامب ليبقى في منصب الرئاسة.
أما (التوقع والمَطمع) الذي ذكرناه فهو ما ترنو إليه الحكومة البحرينية من تلقّي الدعم والحماية والإسناد”الاسرائيلي” في مقابل الشعب البحريني الناقم من الدكتاتورية والظلم الحاكم، و وجدنا أن ثورة فبراير والحراك الشعبي المتواصل قد هدد السلطة وتحدى سجونها وجلاديها ومحاكمها و نهض بوجه حكومة تابعة للرياض ورأينا كيف سارعت القوات السعودية في إطار قوات درع الجزيرة في اجتياح حدود البحرين ونشر المدرعات في شوارعها وإطلاق الرصاص على صدور المتظاهرين العزّل ومحاصرة بيوت العلماء وخاصة المرجع الديني الشيخ عيسى قاسم وغلق مقرات المنظمات السلمية الطابع وفرض الحكم العسكري والأحكام العرفية وتدمير ميدان اللؤلؤة بأسلوب وحشي وشن حملة ظالمة لاعتقال الشباب و الناشطين المدنيين و انتهاك حقوق الانسان بالشدة والقمع والحديد والنار.
فإذا كانت كل هذه الإجراءات البوليسية السعودية – البحرينية لم تتمكن من إخماد الحراك الشعبي واحتوائه وتصفيته فكيف تتمكن تل أبيب من حماية حكام البحرين وقد عجزت تماما عن حماية نفسها من بضعة آلاف من مجاهدي حماس والجهاد وحزب الله ورأينا مطارق المناضلين وأحرار فلسطين تنهال على رؤوس الطغمة الغاصبة للقدس والمحتلة لفلسطين وتهددها بصواريخ محليةالصنع؟لو كانت تل أبيب قادرة على حماية حكام المنامة لوفرت الحماية لنفسها هي أولاً وتمكنت من إقرار الأمن داخل كيانها المحتل.
وهناك من يؤكد أن المرحلة الحالية هي الأخطر التي تلفّ المنطقة الخليجية، بسخونة شديدة بعد إشهار التطبيع البحريني “الاسرائيلي”، وإخراج العلاقات السريّة بينهما من تحت الطاولة إلى فوقها، ليبدأ تشكيل معسكر تكتمل أركانه تباعا ضدّ إيران ، وبطبيعة الحال ضدّ محور المقاومة في المنطقة …
ووسائل الإعلام العبرية لا تنفي أنّ التطبيع بين “اسرائيل” والبحرين والامارات هو اتفاق عسكري وأمني بين الجانبَين ضدّ ايران، وأنّ الهدف من عمليّات التطبيع مع الدول الخليجية، هو تشكيل تكتّل واسع ضدّ “العدوّ المشترك”، وسيكون للكيان العبري موطئ قدم في المياه الخليجية وتزعم ” سنحاصر إيران من الشمال والجنوب، وسنُواجهها في ساحتها الخلفيّة وبطنها الرّخوة” بحسب تعقيب صحيفة “اسرائيل ديفنس” ويؤمل انها ستنجح بمعيّة حلفائها إلى “تكسير” الجسر الذي يربط بين طهران وحلفائها على امتداد المنطقة والمُمتد من طهران مرورا ببغداد فدمشق فبيروت وصولا إلى غزة وفق تلك الصحيفة .
وثمة مؤشرات لتطوّرات خطيرة مُرتقبة ستظهر على الساحة الخليجية عموما والبحرين خصوصاً ، فإيران ومحور المقاومة لهم رأيٌ آخر.و قوتهم لاتضارَع،و طهران التي لم تنتظر طويلاً للرّد على إعلان التطبيع الخليجي الاسرائيلي ، عبر المبادرة سريعا إلى إطلاق مناورات عسكرية بحرية على مساحة مليونَي كيلومتر تحت اسم “ذو الفقار99 ” وهي مساحة تفوق مساحة إيران كلها ب500ألف كيلومتر مربع استمرّت على مدى ثلاثة ايام، وشاركت فيها قوّات برّية، وبحريّة وجوّية؛ آثرت تمرير مناوراتها على وقع رسائل ناريّة باتجاه “من يهمّهم الأمر” على أيدي الأصدقاء اليمنيين ، فتزامنا مع انطلاق المناورات الإيرانية يوم الخميس الفائت، دكّت صواريخ وطائرات يمنية هدفا عسكريا “مهما” في قلب العاصمة السعودية الرياض ، وذلك غداة استهداف مطار أبها السعودي بهجمات مركّزة على مدى ثلاثة ايام، على وقع معلومات أفادت أنّ الهجوم الواسع والمركّز على المطار السعودي، مردّه رصد هبوط طائرات “اسرائيلية” فيه باغتتها المسيّرات الهجوميّة التابعة لحركة أنصار الله.
واللافت أنّ الرسالة اليمنيّة ” مُرّرت” مع أخرى لا تقلّ أهميّة في غير ساحة من ساحات محور المقاومة عقب إعلان التطبيع بين الإمارات و”اسرائيل”، ليس أوّلها واقعة انفجارَي دبي وابو ظبي بشكل متزامن قُبيل ساعات من هبوط طائرة “التطبيع الإسرائيليّة” على الأرض الإماراتيّة، مرورا بالحدث الأمنيّ الهام في شمال فلسطين المحتلة،قرب الحدود مع لبنان، حيث نجح “مجهولون” بدخول قاعدة عسكريّة كبيرة في الجليل، وأطبقوا على كميّة كبيرة من الأسلحة والعتاد “الإسرائيلي” وعادوا أدراجهم بسلام.. قبل أن يُتوّج ذلك الخرق الأمنيّ بحدث آخر غير مسبوق، كشفه شريط فيديو مصوّر نشره حساب “أنتل سكاي” يوم الأربعاء الماضي، ووزّعته جهة تُطلق على نفسها اسم “حركة حريّة”، أظهر ضبّاطا من “الموساد الإسرائيلي” وقعوا أسرى في قبضة الحركة!!و اسم أحد الضباط الأسرى ديفيد بن روزي، فيما آثرت عدم تحديد اسم ضابط آخر يجلس إلى جانبه، ووضعت علامات إشارة فوق ثالث وقع أيضا في الأسر !
كما شهدنا تصاعداً في عمليات المقاومة العراقية في الجنوب والوسط وشمال بغداد واستهدافاً متتابعاً للأرتال الامريكية مما استدعى الأمريكي أن يقرر سحب 2500 عسكري على جناح السرعة.
وعليه، فإنّ مرحلة أخرى قد بدأت في المنطقة على متن إعلان الحرب ضد محور المقاومة- من بوابة التطبيع – فأن يكون “لإسرائيل” بعد إبرام الإتفاق العسكري والأمني مع البحرين والامارات ، قواعد عسكرية في المنطقة، وموطئ قدم في المياه الخليجية فمعنى هذا انها ستكون في دائرة الردّ المباشر والصاعق في حال أيّ اعتداء “اسرائيلي” يطال إيران ، وفقاً لما أعلنه مساعد رئيس البرلمان الايراني للشؤون الدولية حسين امير عبد اللهيان.
ولا يُغفل مراقبون ومحللون عسكريون الإشارة إلى أنّ البحرين والامارات بإعلانهما التطبيع مع “اسرائيل” شرّعت أبوابها أمام المفاجآت “غير السارة”لها وعرّضت نفسها لمطارق الانتقام الإيراني المحتمل. هذه المفاجآت على الأرجح ستكون مدوّية وبلا حدود جغرافيّة، بعدما بات أمنها القوميّ مهدّدا إلى حدّ خطير
بعض الخبراء الاستراتيجيين (و منهم أليف صباغ ؛خبير “إسرائيلي”) يقولون:إن الحكومة الإيرانية قوية جدا ، و إن الاعتقاد بأن التطورات في المنطقة ستضع إيران تحت الحكم الأمريكي أو الإسرائيلي هو “خيال مثل الحلم يُضحَك عليه”. فالحكومة الإيرانية قوية جدا ولا تهمها هذه الألعاب الفجة. وأي دولة تدعي إنها مع “إسرائيل” تصبح فقط وسيلة لتل أبيب لتحقيق أهدافها.
ودويلة “إسرائيل” لن تساعد البحرين والامارات لأن فاقد الشيء لايعطيه وستكون عواقب التطبيع وخيمة.