ترامب يُريد تتويج نفسه “ملكًا” على أمريكا برفضه التعهّد بتسليم السّلطة في حال خسارته الانتخابات.. والبقاء في البيت الأبيض مدى الحياة.. لماذا لا نَستبعِد حربًا أهليّةً وشيكةً في أمريكا وإشعال فتيل أُخرى ضدّ إيران؟ وهل ستكون الأربعون يومًا المُقبلة محفوفةً بالمخاطر والمُفاجآت الدمويّة؟
عبد الباري عطوان
كشفَ الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب عن نواياه الحقيقيّة عندما رفض يوم أمس، وعلى الهواء أمام حشدٍ من الصّحافيين، “أن يتعهّد، أو يضمن، انتقالًا سلميًّا للسّلطة في حالِ خسارته للانتِخابات الرئاسيّة”، وأكّد “أنّه لن يكون هُناك نقل، وإنّما استمراريّة للسّلطة”، ممّا يعني حرفيًّا أنّه يُحوّل النّظام الجمهوري الأمريكي إلى نظامٍ ملكيٍّ، لا يَختلِف مُطلقًا عن الأنظمة الديكتاتوريّة التي يدّعي أنّه يُعارضها في العالم، والثّالث منه على وجه الخُصوص، وربّما هذا ما يُفسّر غرامه بالحُكّام في المِنطقة العربيّة ودول الخليج خاصّةً.
هذه التّصريحات غير المسبوقة لا تعني عدم التِزامه بنتائج الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة فقط، وإنّما تحريض أنصاره العنصريين البيض وتعبئتهم للنّزول إلى الشّوارع والميادين في احتجاجاتٍ دمويّةٍ ضدّ نتائج الانتخابات في حال خسارته، التي قال إنّها ستكون مُزوّرةً حتمًا، ودعم بقائه كزعيمٍ في البيت الأبيض مدى الحياة.
الأربعون يومًا المُقبلة التي تَفصِلنا عن موعد الانتخابات الرئاسيّة (3 نوفمبر المُقبل) قد تكون الأخطر ليس على أمريكا وأمنها واستِقرارها ووحدتها، وإنّما أيضًا على العالم بأسْرِه، فلا أحد يستطيع أن يتنبّأ بما يُمكن أن يُقدِم عليه هذا البلطجي.
الانتقال السّلمي للسّلطة، من خِلال احترام نتائج صناديق الاقتراع، هو أساس، بل الرّكن الأهم في الديمقراطيّة، وغيابه، أو عدم الالتِزام به، يَعنِيان الفوضى، والحُروب الأهليّة، وتفكيك النّظام الفِيدرالي، وإغراق أمريكا في بحرٍ من الدّماء والفوضى.
منسوب الاحتِقان العِرقي والاجتماعي في أمريكا يُوشِك أن يَصِل إلى ذروته، ولهذا وقّع حواليّ 490 من خُبراء الأمن القومي الأمريكي على قائمةٍ يتصدّرها الجِنرال بول سلفا نائب رئيس هيئة الأركان وأحد أكبر مُستشاري ترامب العسكريين، وتضم جِنرالات في البنتاغون ووزراء وكبار مُوظّفي البيت الأبيض، وسُفراء سابقين، يُعبّرون فيها عن تأييدهم فيها المُرشّح الديمقراطي الخَصم جو بايدن، ويقولون فيها إنّهم يُقدِمون على هذه الخطوة لأنّ ترامب ليس أهلًا للمسؤوليّة لغطرسته، وتعاليه وكَذِبِه، وأنّ وسُلوكه جعل حُلفاء أمريكا لا يَثِقون بها، وأعداءها لا يخشوها”.
الرئيس ترامب يعيش حاليًّا حالةً من الإحباط والتخبّط والإحساس بالهزيمة لم يَعِش مِثلها أيّ رئيس أمريكي، ولهذا لا يستطيع أحد أن يتنبّأ بما يُمكِن أنْ يُقدِم عليه من خطواتٍ كارثيّة.
هذا الرّجل لم يَعُد يملك أيّ مصداقيّة حتى يفقدها، وأصبح مكروهًا في العالم بأسرِه تقريبًا، بِما في ذلك بعض حكّام دول الخليج الذين يَرتَعِدون خوفًا منه، ويُقدّمون له مِئات مِن المِليارات استجابةً لإملاءاته، والأكثر من ذلك بيع كرامة الأُمّة وعقيدتها، والتّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي طلبًا لرِضاه.
عندما نقول إنّ الأربعين يومًا المُقبلة التي تَفصِلنا عن موعد الانتِخابات ربّما تكون خطيرةً، أو حتّى الأخطر، فإنّنا نقصد أنّ مِنطقتنا الشّرق أوسطيّة، والخليجيّة منها بالذّات، قد تكون ميدانًا لحربِ دمارٍ شاملٍ يُشعِلها ترامب ضدّ إيران، لتأجيل الانتِخابات، أو حشد دعم انتِصاره خلفه، باعتِباره الزّعيم القويّ الذي يُريد إعادة قوّة أمريكا وتكريس زعامتها للعالم.
صحيفة “الواشنطن بوست” سجّلت 20 ألف كذبة مُوثّقة للرئيس ترامب أطلقها مُنذ تولّيه الرّئاسة، ألف مِنها حول فيروس كورونا فقط، ولعلّ أخطرها تغريدةً له على “التويتر” قبل أيّام تقول إنّ إيران باتت على بُعد أشهرٍ معدودةٍ من إنتاج أسلحة نوويّة، ولن يسمح لها بذلك ولا نَستبعِد أن يكون الهُجوم الشّرس الذي شنّه العاهل السعوي الملك سلمان بن عبد العزيز على إيران، واتّهامها بزعزعة أمن المِنطقة واستِقرارها في خِطابه الذي ألقاه أمس أمام الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة هو تَمهيدٌ لهذه الحرب، واستِعدادٌ لتَبِعاتها، والاشتِراك فيها بشَكلٍ أو بآخَر.
ترامب سيستخدم كُل ما لديه من وسائل قوّةٍ من أجل البقاء في البيت الأبيض مدى الحياة، ويَجِد كُلّ الدّعم والمُساندة من بنيامين نِتنياهو رئيس وزراء “إسرائيل” وقادة الحركة الصهيونيّة في أمريكا والعالم، وهو الآن مِثل الثّور الهائج المُثخَن بالجِراح يضرب في جميع الاتّجاهات، وقد يُحقّق ما يَشفِي غليله وأنصاره العُنصريين، ولكنّه سيُدمّر امريكا أيضًا مِثلَما دمّر هتلر ألمانيا، وقادَها إلى التّقسيم، وتوحيد مُعظم العالم ضدّها.. والأيّام بيننا.